تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر - ج ٤٧ - الصفحة ٢٨٠
لما حضرت أبا عبيدة بن الجراح الوفاة ولى عياض بن غنم عمله الذي كان يليه وكان عياض رجلا صالحا فلما نعي أبو عبيدة إلى عمر أكثر الاسترجاع والترحم عليهم وقال لا يسد مسدك أحد وسأل من استخلف على عمله قالوا عياض بن غنم فأقره وكتب إليه إني قد وليتك ما كان أبو عبيدة بن الجراح يليه اعمل بالذي لحق الله عليك وكتب إليه كتابا طويلا يأمره فيه وينهاه وكان عياض بن غنم رجلا سمحا وكان يعطي ما يملك لا يعدوه إلى غيره لربما جاءه غلامه فيقول ليس عندنا ما تتغدون به فيقول خذ هذا الثوب فبعه الساعة فاشتر به دقيقا فيقول له سبحان الله أفلا تقترض خمسة دراهم من هذا المال الذي في ناحية بيتك إلى غد ولا تبيع ثوبك فيقول والله لأن أدخل يدي في جحر أفعى فتنال مني ما نالت أحب إلي من أن أطمع نفسي في هذا الذي تقول فلا يزال يدفع الشئ بالشئ حتى يأتي وقت رزقه فيأخذه فيوسع فيه فمن أدركه حين يأخذ رزقه غنم ومن تركه أياما لم يجد عنده درهما واحدا فكلم عمر بن الخطاب في عياض أشد الكلام وقيل إن عياضا رجل يبذر المال لا يمسك في يده شيئا وإنما عزلت خالد بن الوليد لأنه كان يعطي الناس دونك فقال عمر إن سماح عياض في ذات يده حتى لا يبقي منه شيئا فإذا بلغ مال الله لم يعط منه شيئا مع أني لم أكن لأعزل أميرا أمره أبو عبيدة بن الجراح وأبى إلا توليته فرأى من عياض كلما يحب وكان على حمص فكان إذا غزا من الشام وجها فغنم رجع إلى حمص وكان افتتاح الجزيرة والرها والحران على يديه سنة ثمان عشرة صالحهم وكتب بينهم كتابا ووضع الخراج على الأرض فكان ينظر إلى الأرض وما تحمل فيضع عليها ومنها أرض عشر لا يتجاوز به غيره وأبطأ بالخراج عن وقته فكتب إليه عمر بن الخطاب إنك قد أبطأت بالخراج عن وقته وقد عرفت موقع الخراج من المسلمين وإنه قوة لهم على عدوهم ولفقيرهم وضعيفهم وقد عرفت الموضع الذي أنا به ومن معي من المسلمين إنما هو كرش منثور فأجدد في أخذ الخراج في غير خرق ولا وهن عنهم فلما جاءهم كتاب عمر أخذهم بالخراج أشد الأخذ حتى أقامهم في الشمس ونال منهم ثم جمع الخراج في أيام فحمله إلى عمر

1 - كذا بالأصل وم وز) بال التعريف - 2 ما بين الرقمين سقط من ز 9.
3 - جاء في اللسان (كرش)، ويقال: عليه كرش منثورة: أي صبيان صغار.
(٢٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 275 276 277 278 279 280 281 282 283 284 285 ... » »»