الظهر فامتنع البواب من الاستئذان على القاضي فجلست إلى الآن للدخول عليه وهو يقصد بهذا أن ينكر القاضي على البواب فقال له نعم هكذا عادتي إذا قمت من مجلسي ودخلت إلى داري اشتغلت ببعض الحوائج التي تخصني فإن القاضي لا بد له من خلوة وتودع (1) فاغتاظ أبو إسحاق من ذلك أكثر وقال له مبكتا له كنت بحضرة الوزير في بعض هذه الليالي فأنشد بين يديه * أذل فيا حبذا من مذل * ومن سافك لدمي مستحل إذا ما تعذر قاتله (2) * بذل وذلك جهد المقل * فسأل عن ذلك فقيل إنها للقاضي أعزه الله فقال أبو خازم نعم هذه أبيات قلتها في والدة هذا الصبي لغلام قاعد بين يديه في يده كتاب من الفقه يقرأ عليه وهو ابنه فإني كنت ضعيف الحال أول ما عرفتها وكنت مائلا إليها ولم يمكن إرضاؤها بالمال فكنت أطيب قلبها بالبيت والبيتين فقام (3) أبو إسحاق وودعه ومضى إلى أبي عمر فاستقبله حجابه من باب الدار وأدخلوه إلى الدار فاستقبله القاضي من مجلسه خطوات وأجلسه في موضعه وأكرمه كما يكرم من يكون خصيصا بوزير إذا جاء إلى ناظر من قبله فقال له في أي شئ تفتي وأي شئ ترسم فأدى إليه رسالة الوزير في شأن (4) الرجل المحبوس فقال أبو عمر السمع والطاعة لأمر الوزير أنا أسأل صاحب الحق حتى يفرج عنه فإن فعل وإلا وزنت (5) الدين من مالي إجابة لمسألة الوزير فقام أبو إسحاق فودعه وانصرف إلى الوزير ضيق الصدر من أبي خازم مسرورا بصنيع أبي (6) عمر فاستبطأه الوزير فحكى له ما جرى من كل واحد منهما فقال له الوزير فأي الرجلين أفضل عندك يا أبا إسحاق فقال أبو عمر في عقله وسداده وحسن عشرته ومعرفته بحقوق الوزير يغري بأبي خازم فقال الوزير دع (7) هذا عنك أبو خازم دين كله وأبو عمر عقلك كله قال وسمعت القاضي أبا عبد الله الصيمري قال وكتب عبيد الله بن سليمان رقعة إلى أبي خازم القاضي يسأله في ضيعة ليتيم يبيعها بثمنها أو أكثر من بعض الدهاقين الكبار له ملك يجاور هذه الضيعة فوقف أبو خازم على الرقعة وكتب إليه
(٨٣)