تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر - ج ٣٠ - الصفحة ٣٨٨
أنها بلغها أن قوما تكلموا في أبيها فبعثت إلى أزفلة (1) من الناس وعلت وسادتها وأرخت ستارتها ثم قالت أبي وما أبيه أي والله لا تعطوه الأيدي ذاك طود منيف وظل مديد هيهات كذبت الظنون أنجح والله إذا أكديتم (2) وسبق إذ ونيتم سبق الجواد إذا استولى على الأمد (3) فتى قريش ناشئا كهفها كهلا يريش مملقها (4) ويرأب شعبها ويلم شعثها حتى حليته قلوبها ثم استشرى في دينه فما برحت شكيمته (5) في ذات الله حتى اتخذ بفنائه مسجدا يحيي فيه ما أمات المبطلون وكان رضي الله عنه غزير الدمعة وقيذ الجوانح (6) شجي النشيج فانتصبت (7) عليه نسوان أهل مكة وولدانهم يسخرون منه ويستهزئون به " (8) الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون " (9) وأكبرت ذلك رجالات قريش فحنت (10) قسيها وفوقت (11) سهامها وامتثلوه غرضا فما فلوا له صفاة ولا قصموا له قناة ومضى على سيسائه (12) حتى إذا ضرب الدين بجرانه ورست أوتاده ودخل الناس فيه أفواجا ومن كل فرقة أرسالا وأشتاتا اختار الله لنبيه ما عنده فلما قبض الله نبيه (صلى الله عليه وسلم) اضطرب حبل الدين ومرج أهله وبغى العوائل وظنت رجال أن قد أكثبت (13) نهزها ولات حين يظنون وأتى والصديق بين أظهرهم فقام حاسرا مشمرا فرفع حاشيته بطبه وأقام أوده بثقافة حتى أمذقر (14) النفاق فلما انتاش الدين بنعشه وأراح الحق على أهله وقرت (15) الرؤوس في كواهلها وحقن الدماء في أهبها حضرت منيته فسد ثلمته بنظيره في السيرة والمرحمة

(1) الأزفلة: الجماعة من الناس.
(2) يقال: أنجح الله حاجته فنجحت.
وأكديتم يريد إذا خبتم ولم تظفروا.
(3) الأمد: الغاية.
(4) يريش مملقها أي يغنيه، والمملق: الفقير.
(5) الشكيمة: عزة النفس وأنفتها.
(6) وقيذ الجوانح: الوقيذ العليل الشديد العلة، والجوانح الضلوع القصار التي تلي الفؤاد.
(7) كذا بالأصل، واللفظة مهملة بدون نقط في م، وفي مختصر ابن منظور 13 / 112 فانقصفت.
(8) سقطت من الأصل وأضيفت عن م.
(9) سورة البقرة، الآية: 15.
(10) عن م وبالأصل: فحدت.
(11) الفوق: موضع الوتر من السهم، وفوقت السهم: عملت له فوقا.
(12) سيسائه: سيساء الظهر من الدواب: مجتمع وسطه أي موضع الركوب.
(13) أكثبت نهزها أي قربت فرصها، والنهز جمع نهزة وهي الفرصة.
(14) أمذقر النفاق: تلاشى.
(15) عنم وبالأصل: وفروا.
(٣٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 383 384 385 386 387 388 389 390 391 392 393 ... » »»