شرح السير الكبير - السرخسي - ج ١ - الصفحة ٥٣
من وراء الجدر، كما قال الله تعالى {لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر} (1). فجعل المسلمون يخربون بيوتهم ليتمكنوا من الحرب.
وكلما نقبوا جدار بيت من جانب ليدخلوا نقبوا هم من الجانب الآخر ليخرجوا إلى بيت آخر، كما قال الله تعالى {تخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين} (2).
فلما لحقهم من العسر ما لحقهم، ولم يأتهم أحد من المنافقين، وقد كانوا وعدوا لهم ذلك - أي المنافقين وعدوا بنى النضيرة النصرة، كما قال الله تعالى حكاية عنهم {وإن قوتلتم لننصرنكم} (3).
وقد كان أمر رسول الله بقطع النخيل فقطعت. وكان العذق (4) أحب إلى أحدهم من الوصيف (5). فقال بعضهم لبعض: ليس لنا مقام بعد النخيل. فنادوه. يا أبا القاسم، قد كنت تنهى عن الفساد فما للنخيل تقطع وتحرق؟ أتؤمننا على دمائنا وذرارينا وعلى ما حملت الإبل إلا الحلقة - يعنى السلاح -؟ قال: نعم. ففتحوا الحصون، وأجلاهم على ما وقع الصلح عليه.
وفى رواية: استعمل رسول الله عليه السلام أبا ليلى المازني وعبد الله ابن سلام أبا لبابة (6) على قطع نخيلهم. وكان أبو ليلى يقطع العجوة (7).
وعبد الله يقطع اللون (8). فقيل لأبي ليلى لم قطعت العجوة؟ قال: لأنها كانت أغيظ لهم. وقيل لابن سلام: لم قطعت اللون؟ قال: علمت أن الله مظهر نبيه ومغنمه أموالهم، فأحببت إبقاء العجوة وهي خيار أموالهم. ففي ذلك نزل قوله تعالى {ما قطعتم من لينة}. الآية.
وفى رواية: نادى اليهود من فوق الحصون: تزعمون أنكم مسلمون لا تفسدون (26 آ)، وأنتم تعقرون النخل، والله ما أمر بهذا، فاتركوها

(1) سورة الحشر، 59، الآية 14.
(2) سورة الحشر، 59، الآية 2.
(3) سورة الحشر، 59، الآية 11.
(4) العذق: النخلة بحملها (القاموس) وفى أ " الغدر ".
(5) ط " الوضيف ".
(6) ساقط من ب، أ.
(7) العجوة بالحجاز التمر المخشى، ونوع من التمر بالمدينة (القاموس).
(8) اللون جماعة النخل واحدتها لونة ولينة، أو أردأ التمر (القاموس).
(٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 ... » »»