الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٧٧٧
عبد الرحمن بن شريح وغيره، وعن أبي الأسود، عن عروة قال: حج علينا عبد الله ابن عمرو بن العاص فسمعته يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله لا ينزع العلم بعد أن أعطاهموه انتزاعا، ولكن ينتزعه منهم مع قبض العلماء بعلمهم فيبقى ناس جهال يستفتون فيفتون برأيهم فيضلون ويضلون.
وأما ما رووه عن أبي مسعود من قوله، فليجتهد رأيه فهو خبر لا يصح، لان محمد بن سعيد بن نبات حدثناه قال: ثنا أحمد بن عون الله، نا قاسم بن أصبغ، ثنا محمد بن عبد السلام الخشني، نا محمد بن بشار، نا محمد بن أبي عدي، ثنا شعبة، ثنا الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن حريث بن ظهير قال الأعمش: أحسبه قال.
قال ابن مسعود: لقد أتى علينا حين وما نسأل وما نحن هناك. ثم ذكر بنصه، فصح أن الأعمش شك فيه أهو عن ابن مسعود أم لا. ثم لو صح لكان معناه:
فليجتهد رأيه، أي ليجهد نفسه حتى يرى السنة في ذلك، يبين هذا قوله في الخبر نفسه: ولا يقل إني أخاف وأرى، فنهاه عن أن يقول أرى، وهذا نهي عن الفتيا بالرأي وكذلك قوله فيه نفسه: فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك، وإن الحلال بين وإن الحرام بين، وبينهما مشتبهات فإنما أمره بالتورع والطلب فقط.
وأما الرواية عن عمر فإن فيها نصا تخييره بين اجتهد رأيه أو الترك، ورأى الترك خيرا له فصح أنه لم ير القول بالرأي حقا، لان الحق لا خيار في تركه لاحد، ثم هم مخالفون لما فيه أيضا مما ذكرنا من أنهم لا يبدؤون بالطلب في القرآن - كما في ذلك الخبر - ثم بالسنن، بل يتركون القرآن لما يصح من السنن ولما لا يصح، وهذا خلاف أمر عمر في ذلك الخبر، فكيف يحتجون بشئ هم أول مخالف له، هذا مع أن ظاهر ذلك الخبر الانقطاع.
وأما خبر عبيد الله بن أبي يزيد، عن ابن عباس، فليس فيه أن ابن عباس أخبر بذلك عن نفسه، ولا أنه أمر به، فإذا هو ظن من عبيد الله، والثابت عن ابن عباس النهي عن تقليد أبي بكر وعمر.
(٧٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 772 773 774 775 776 777 778 779 780 781 782 ... » »»
الفهرست