الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣٥٥
وقد حمل مالك قوله تعالى: * (وأنتم عاكفون في المساجد) * على عموم جميع المساجد بنص اللفظ، لا بدليل زائد ولا بيان وارد، وحمل قوله تعالى: * (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم) * على جميع الأزواج، بلا دليل زائد، وليس شئ من ذلك إجماعا.
وحمل هو وأبو حنيفة قوله تعالى: * (وأن تجمعوا بين الأختين) * على عمومه في النكاح والوطئ بملك اليمين.
وحملوا كلهم أيضا قوله تعالى: * (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم) * على عموم بلا دليل، بل الدليل قام على خصوص ذلك، فأبوا من قبوله، فبان تناقضهم في ذلك، وبالله تعالى التوفيق.
قال علي: ويلزمهم أيضا ألا يحكموا بالاجماع، إذ لعل ههنا خلافا لم يبلغهم ولا يحكموا بنص، إذ لعله منسوخ ولا يقاس لان القياس لا يكون إلا على نص أو إجماع والوقف واجب في النقص والاجماع، فبطل الدين كله على قول هؤلاء القوم.
قال علي: ويقال لهم: ما الفرق بينكم وبين من خص بالخطاب بعض الأزمان دون بعض، كما خصصتم أنتم بعض الأعيان دون بعض؟ فإن قالوا:
إن محمدا صلى الله عليه وسلم إنما بعث ليحكم في كل زمان. قيل لهم: وكذلك أيضا بعث عليه السلام ليحكم على كل أحد في كل عين ولا فرق.
قال علي: وقد بينا في غير ما مكان أن اللغة إنما وضعت ليقع بها التفاهم، فلا بد لكل معنى من اسم مختص به: فلا بد لعموم الأجناس من اسم، ولعموم كل نوع من اسم، وهكذا أبدا إلى أن يكون لكل شخص اسمه، ومن سعى في إبطال هذا فهو سوفسطائي على الحقيقة، عاكس للأمور على وجوهه، مفسد للحقائق، ويأبى الله إلا أن يتم نوره.
قال علي: ولا فرق بين الاخبار بالأوامر في كل ذلك وكل اسم فهو يقتضي عموم ما يقع تحته، ولا يتعدى إلى غير ما يقع تحته، والوعد والوعيد في كل ذلك كسائر الخطاب ولا فرق، والحديث والقرآن كله كاللفظة الواحدة، فلا يحكم بآية دون أخرى، ولا بحديث دون آخر، بل بضم كل ذلك بعضه إلى بعض، إذ ليس
(٣٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 350 351 352 353 354 355 356 357 358 359 360 ... » »»
الفهرست