الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣٥٦
بعض ذلك أولى بالاتباع من بعض، ومن فعل غير هذا فقد تحكم بلا دليل.
ويقال لهم: ما الفرق بينكم وبين من قال: لعل الخطاب الوارد إنما خص به الصحابة دون غيرهم؟ فكل ما قالوا ههنا فهو مردود عليهم في دعواهم خصوص بعض ما يقع عليه الخطاب دون بعض.
ويقال لهم: بأي شئ استجزتم قتل من قتلتم من المشركين، وقطع من قطعتم من السراق، وجلدتم من جلدتم من الزناة، وحد من حددتم من القذفة، وخصصتموهم بإيقاع هذه الأحكام عليهم، دون سائر من يقع عليه اسم زان أو قاتل أو قاذف أو سارق، فهل ههنا إلا أنهم سرقوا وقتلوا وزنوا وقذفوا؟ فهكذا فعل غيركم ممن أخرجتموه من الخطاب، وأسقطتم عنه ما حملتم على هؤلاء، فلأي معنى خصصتم من أمضيتم عليه الحكم دون من لم تمضوه عليه؟ فإن قالوا: بدلائل دلت على ذلك، لم نأب ذلك، وقلنا لهم: هذا قولنا، وحسبنا أننا قد أزلناكم عن الحكم بالخصوص المجرد الذي هو الافتراء على الله عز وجل في الحكم عنه تعالى بما لم يأذن به، وقد رام قوم أن يفرقوا بين الأوامر والاخبار، واحتجوا بأنهم مضطرون إلى العمل بالأوامر، وليست الاخبار كذلك.
وقال علي: وهذا فرق فاسد، لأننا مضطرون إلى وجوب اعتقاد صحة الاخبار وإلى الاقرار بها - وهي التي وردت بها النصوص - كما نحن مضطرون إلى العمل بالأوامر، ولا فرق، والاعتقاد الصحيح فعل الله تعالى في النفس والاقرار بالمعتقد فعل النفس بتحريكها آلات الكلام من اللسان والحنك ومخارج الحروف، فلا بد لها من أن تخص بالاقرار بما اعتقدت أو تعم، وخوف الخطأ في العمل في الأوامر، كخوف الخطأ في الاعتقاد للاخبار على ما لا يجوز، واعتقاد الباطل لا يجوز، كما لا يجوز العمل بالباطل فصح أن الاخبار كالأوامر ولا فرق.
واحتج بعض من سلف من القائلين بالعموم على القائلين بالخصوص فقال:
ما تقولون في قوله تعالى: * (الله وخاتم) * للنبيين من العرب دون غيرهم، أم عموم بنفس اللفظ؟ فإن قالوا: خصوص كفروا، وإن قالوا: عموم بنفس اللفظ، تركوا لمذهبهم الفاسد، فإن ادعوا أن ذلك إجماع، لزمهم أن لا يقولوا إلا بما أجمع عليه فقط، وقد قدمنا إفساد هذا القول فإنهم لو قالوا
(٣٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 351 352 353 354 355 356 357 358 359 360 361 ... » »»
الفهرست