الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣٥٠
الخصوص فيه، واعترضوا أيضا بأن قالوا: لما كان المعهود أن يقول القائلون:
جاءني بنو تميم، وفسد الناس، ولا خير في واحد، وذهب الخلق وذهب الوفاء، ولا يكون ذلك كذبا، وقد تيقنا أنه لم يرد بذلك جميع بني تميم، ولا جميع الناس، ولا جميع الا حدين، ولا جميع الخير، ولا جميع الخلق ولا الوفاء كله صح الخصوص.
قال علي: وهؤلاء القوم لا ندري مع من يتكلمون، ونحن لم ننكر أن يكون في اللغة ألفاظ يقوم الدليل على أنها مخصوصات، وكل ما ذكروا فقد قام الدليل على أنه ليس على عمومه كما قام الدليل، على أن آيات كثيرة أنها منسوخة لا يحل العمل بها، فلما لم يكن كل ذلك واجبا أن تحمل النسخ من أجله على سائر الآيات، لم يكن أيضا واجبا أن نحمل التخصيص على كل لفظ من أجل وجودنا ألفاظا كثيرة قد قام الدليل على أنها مخصوصة، ولكن القوم يسوموننا إذا وجدنا لفظا منقولا عن موضوعه في اللغة أن نحكم بذلك في كل لفظ، وفي هذا إبطال اللغة كلها، وإبطال التفاهم وإيجاب للحكم بلا دليل، والدليل الذي قام على تخصيص ما ذكروا، علمنا أنه لو أراد به العموم لكان كاذبا، وأما لو أمكن أن يكون صادقا لما انتقل عن عمومه إلا بدليل.
قال علي: وقالوا أيضا: قد اتفقنا على وجوب استعمال الخطاب على بعض ما اقتضاه، واختلفنا في سائره، فلا يلزمنا إلا ما اتفقنا عليه.
قيل لهم، وبالله تعالى التوفيق: هذا اعتراض فاسد من وجوه كثيرة أحدها: أنه خلاف النصوص والعقول والاجماع، لان الأمة مجمعة، والعقول قاضية، والنصوص من القرآن والسنن واردة - كل ذلك متفق - أن ما قام عليه دليل برهاني فواجب المصير إليه، وإن اختلف الناس فيه وواجب ألا نقتصر على ما أجمع عليه دون ما اختلف فيه إلا في المسائل التي لا دليل عليها إلا الاجماع المجرد المنقول إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وأيضا فقد قال تعالى: * (فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول فأمر تعالى عند التنازع بالرد إلى القرآن والسنة ودلائلهما قد قامت بوجوب حمل الألفاظ على موضوعها في اللغة.
(٣٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 345 346 347 348 349 350 351 352 353 354 355 ... » »»
الفهرست