الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣٩٠
صدقة، فوجب حمل دون على كل ما يقتضيه من أقل ومن غير، فسقطت بذلك الزكاة عن الخضراوات كلها والقطاني والفاكهة وسائر الثمار كلها لأنها غير الحب والتمر، ووجب حمل الحب على ما يقع عليه في اللغة، لا يقع على القمح والشعير فقط، ذكر ذلك الكسائي وغيره من ثقات أهل اللغة في علمهم ودينهم.
ومثل ما جاء أنه عليه السلام كان يجعل فضل المال في الكراع والسلاح، فوجب وضعه في كل ما يسمى كراعا وسلاحا، ولذلك لم يجز تحبيس شئ من الأموال إلا ما جاء فينص، لأنه شرع شريعة، فلا يحل الحكم بها إلا بنص، وأجزنا أن يحبس المرء على نفسه، لأنه داخل في عموم قوله عليه السلام:
إن شئت حبست الأصل وتصدقت بالثمرة، فجائز للمرء أن يتصدق على نفسه وعلى غيره، لأنه كله تصدق وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: ابدأ بنفسك فتصدق عليها.
قال أبو محمد: وذكر بعض أهل الكلام في هذا الباب حديثا رواه أبو عبيد في غريب الحديث، وهو أمره عليه السلام قوما من جهينة بإدفاء رجل كان أصابه البرد، والادفاء في لغتهم القتل فقتلوه.
قال علي: وهذا حديث مكذوب لا يصح البتة، بل نحن على يقين من أنه كذب مفترى، لأنه عليه السلام أفصح العرب وأعرفهم في لغتهم، ومأمورا بالبيان، وليس من البيان أن يأمر هم بكلام يقتضى عند هم غاير مراده صلى الله عليه وسلم ولا حجة لهم في قصة عدى في الخيطين، لان عديا من قبله أتى سوء الفهم، وقد كان لعدي في قوله تعالى: * (ثم أتموا الصيام إلى الليل) * كفاية في أن المراد خيط الفجر من خيط الليل، وقد كان نزل بعد: * (من الفجر) * وقد فعل فعل عدى سائر الصحابة رضوان الله عليهم وهم أهل اللغة، وأصابوا في ذلك حتى نزل * (من الفجر) * وانتقلوا عن الظاهر الأول إلى الظاهر النازل بعده، وهذا الذي لا يجوز لأحد تعديه، وبالله تعالى التوفيق، وهو الموفق للصواب.
تم الجزء الثالث ويتلوه إن شاء الله تعالى الجزء الرابع
(٣٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 380 381 382 383 384 385 386 387 388 389 390
الفهرست