الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣٤٨
ولا بد أيضا من لفظ يحضر به عن بعض ما تحت الجنس، ليفهم المخاطب بذلك ما يريد، ومبطل هذا مبطل للعيان، جاحد للضرورات.
وسألوا أيضا فقالوا: إن كان قولكم بالعموم والظاهر حقا، فما قولكم فيمن سمع آية قطع يد السارق، وآية جلد الزناة، وآية تحريم المرضعات لنا، والراضعات معنا، ولم يسمع أحاديث التخصيص لكل ذلك، ولا آية التخصيص للإماء، أتأمرونه بقطع يد من سرق فلسا من ذهب، وبجلد الأمة والعبد مائة مائة إذا زنيا، وتحرمون من أرضعت رضعتين، وتقولون إنه مأمور من عند الله تعالى بذلك؟
فلزمكم القول بأنه مأمور بما لم يأمر به، والقول بأنه مأمور بالباطل أو تأمرونه بأن لا ينفذ شيئا من ذلك حتى يطلب الدليل فيتركون القول العموم بالظاهر.
قال علي: فنقول، وبالله تعالى التوفيق: إن الله تعالى لم يأمر قط بقطع سارق أقل من ربع دينار ذهبا ولا حرم قط من أرضعت أقل من خمس رضعات، ولا أمر قط بجلد العبد والأمة أكثر من خمسين، لان الرسول عليه السلام قد بين كل ذلك وكلامه عليه السلام وكلام ربه سواء، في أنه كله وحي، وفي أنه كله لازمة طاعته، فالآيات التي ذكروا، والأحاديث المبينة، لها مضموم كل ذلك بعضه إلى بعض غير مفصول منه شئ عن آخر، بل هو كله كآية واحدة أو كلمة واحدة، ولا يجوز لاحد أن يأخذ ببعض النص الوارد دون بعض، وهذه النصوص وإن فرقت في التلاوة فالتلاوة غير الحكم، ولم تفرق في الحكم قط، بل بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك مع ورود الآي معا، ولا يفرق بين قوله تعالى : * (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) * مع قوله عليه السلام: لا قطع في أقل من ربع دينار فصاعدا وبين قوله تعالى: * (ألف سنة إلا خمسين عاما) * . وكذلك لا فرق بين قوله تعالى: * (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم) * وبين نزول خمس رضعات محرمات ناسخة لعشر محرمات، وبين قول القائل: لا إله إلا الله، فلا يجوز أن يفصل شئ من ذلك في الحكم عن بيانه، كما لا يحل لاحد أن يأخذ القائل لا إله إلا الله في بعض كلامه دون بعض، فيقضي عليه بقوله: لا إله بالكفر، لكن نضم كلامه كله بعضه إلى بعض فنأخذه بكلامه وكذلك إذا نزلت الآية المجملة أتى بعقبها الأحاديث المفسرات فكان ذلك
(٣٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 343 344 345 346 347 348 349 350 351 352 353 ... » »»
الفهرست