الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٢٩٣
المسموع الظاهر فقط وقال تعالى: * (أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم) * أخبر تعالى أن الواجب علينا أن نكتفي بما يتلى علينا وهذا منع صحيح لتعديه إلى طلب تأويل غير ظاهره المتلو علينا فقط، وقال تعالى آمرا لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول: * (قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب) * إلى منتهى قوله تعالى ان اتبع الا ما يوحى إلي . قال علي: ولو لم يكن إلا هذه الآية لكفت، لأنه عليه السلام قد تبرأ من الغيب، وأنه إنما يتبع ما يوحى إليه فقط، ومدعي التأويل وتارك الظاهر تارك للوحي مدع لعلم الغيب، وكل شئ غاب عن المشاهد الذي هو الظاهر فهو غيب ما لم يقم عليه دليل من ضرورة عقل، أو نص من الله تعالى، أو من رسوله صلى الله عليه وسلم، أو إجماع راجع إلى النص المذكور وقال تعالى: * (أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا فمن ابتغى حكما غير النصوص الواردة من الله تعالى في القرآن، وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، فقد ابتغى غير الله حكما.
وبين تعالى أن الحكم هو ما أنزل في الكتاب مفصلا، وهذا هو الظاهر الذي لا يحل تعديه وقال تعالى: * () * فنص تعالى على أن الباطل إنما يمتحى، وأن الحق إنما يصح بكلماته تعالى، فثبت يقينا أن الكلمات معبرات عما وضعت له في اللغة، وأن ما عدا ذلك باطل، فصح اتباع ظاهر اللفظ بضرورة البرهان. وقال تعالى: * (وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره) *.
قال علي: ومن ترك ظاهر اللفظ وطلب معاني لا يدل عليها لفظ الوحي فقد افترى على الله عز وجل، بنص الآية المذكورة. وقال تعالى: * ( ) * وقال تعالى: * () * فنص تعالى على البيان، إنما هو القرآن وكلام النبي صلى الله عليه وسلم فقد فصح بذلك اتباع ما أوجب القرآن وكلامه عليه السلام، وبطلان كل تأويل دونهما وقال تعالى: * (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم) *.
قال علي: ففي هذه الآية كفاية لمن عقل أن لغة النبي صلى الله عليه وسلم التي
(٢٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 288 289 290 291 292 293 294 295 296 297 298 ... » »»
الفهرست