الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٢٩٢
: * (كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد آتيناك من لدنا ذكرا ئ من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا) * فصح أن الوحي كله من يترك ظاهره فقد أعرض عنه، وأقبل على تأويل ليس عليه دليل. وقال تعالى: وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون وكل من صرف لفظا عن مفهومه في اللغة فقد حرفه.
وقد أنكر الله تعالى ذلك في كلام الناس بينهم فقال تعالى: * (فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه) * وليس التبديل شيئا غير صرف الكلام عن موضعه ورتبته، إلى غيرها، بلا دليل من نصر أو إجماع متيقن عنه صلى الله عليه وسلم. وقال تعالى:
(يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا) * فصح أن اتباع الظاهر فرض، وأنه لا يحل تعديه أصلا. وقال تعالى: * (يا أيها الذين يحب المعتدين) *.
والاعتداء هو تجاوز الواجب، ومن أزاح اللفظ عن موضوعه في اللغة التي بها خوطبنا بغير أمر من الله تعالى، أو رسوله صلى الله عليه وسلم، فعداه إلى معنى آخر، فقد اعتدى فليعلم أن الله لا يحبه، وإذا لم يحبه فقد أبغضه، نعوذ بالله من ذلك. وقال تعالى: * (يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون) * وقال تعالى: * (ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين) *.
وقد أخبر تعالى أنه: * (وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين) * فنص نصا جليا لا يحتمل تأويلا، على أنه علق كل مسمى اسما مخصوصا به، وكذلك من حدود الله تعالى التي قد أخبر أنه من تعداها فهو ظالم، وأنه يدخله نارا - وأهل ذلك هم - لاقدامهم على الباطل الذي لا يخفى على ذي لب، وبالله تعالى نعوذ من الخذلان، ونسأله التوفيق، فكل شئ يبدله لا إله إلا هو، فلا موفق إلا من هدى، ولا ضال إلا من خذل. ولله تعالى في كل ذلك الحجة البالغة علينا. ولا حجة لنا عليه. ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون. وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وقال تعالى: * (اتبع ما أوحي إليك من ربك) * فأمره باتباع الوحي النازل وهو
(٢٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 287 288 289 290 291 292 293 294 295 296 297 ... » »»
الفهرست