الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٢٩١
إنما هما أبو بكر وعمر رضوان الله عليهما، ولعن من سبهما. وقالوا: * (يوم تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا) * ليس هذا على ظاهره إنما السماء محمد والجبال أصحابه، وقالوا: * (وأوحى ربك إلى النحل) * ليس هذا على ظاهره، إنما النحل بنو هاشم، والذي يخرج من بطونها هو العلم.
وسلك بكر ونظراؤه طريقهم، فقالوا: * (وثيابك فطهر) * ليس الثياب على ظاهر الكلام، إنما هو القلب. وقالوا: البيعان بالخيار ما لم يفترقا، ليس على ظاهره من تفرق الأبدان، إنما معناه ما لم يتفقا على الثمن. وقالوا: * (ان امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت) * ليس على ظاهره: إنما هو ابن ذكر، وأما الأنثى فلا. وقالوا:
* (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم قبيلتكم.
قال علي: ويسأل هؤلاء القوم، أركبت الألفاظ على معان عبر بها عنها دون غيرها أم لا؟ فإن قالوا: لا سقط الكلام معهم، ولزمنا ألا نفهم عنهم شيئا، إذ لا يدل كلامهم على معنى، ولا تعبر ألفاظهم عن حقيقة، وإن قالوا نعم؟
تركوا مذهبهم الفاسد، وكل ما أدخلنا على من قال بالوقف في الأوامر، فهو داخل على هؤلاء. ويدخل على هؤلاء زيادة إبطال جميع الكلام، أوله عن آخره، وكذلك يدخل عليهم أيضا ما يدخل على القائلين بالوقف في العموم، وسنذكره في بابه إن شاء الله تعالى ولا قوة إلا بالله.
فإن قالوا: بأي شئ تعرفون ما صرف من الكلام عن ظاهره؟ قيل لهم وبالله تعالى التوفيق: نعرف ذلك بظاهر آخر مخبر بذلك، أو بإجماع متيقن منقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى أنه مصروف عن ظاهره فقط، وسنبين ذلك في آخر باب الكلام في العموم والخصوص إن شاء الله عز وجل، وبالله تعالى التوفيق.
وقد أكذب الله تعالى هذه الفرقة الضالة بقوله عز وجل - ذاما لقوم يحرفون الكلم عن مواضعه -: * (ويقولون سمعنا وعصينا) * لا بيان أجلى من هذه الآية في أنه لا يحل صرف كلمة عن موضعها في اللغة، ولا تحريفها عن موضعها في اللسان، وأن من فعل ذلك فاسق مذموم عاص، بعد أن يسمع ما قاله تعالى. قال عز وجل
(٢٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 286 287 288 289 290 291 292 293 294 295 296 ... » »»
الفهرست