الأبد أو إلى وقت خاص بعد العمل بالعام.
واما المقدمة الثانية ففيها أيضا ان كون النسخ رفعا للحكم الثابت وإن كان لا سبيل إلى إنكاره، ولكن نقول بأنه لا يلزمه كون ذلك الحكم الثابت فعليا على الاطلاق، بل يكفي في صحته كونه رفعا لحكم ثابت في الجملة ولو بمرتبة إنشائه الحاصل بجعل الملازمة بينه وبين شرطه وسببه، كما في الواجبات المشروطة، كيف وان النسخ في الشرعيات كالبداء في التكوينيات المتصور في الموقتات والمشروطات بالنسبة إلى المخلوقين، وحينئذ فكما انه يصح في الاحكام العرفية نسخ الحكم في الموقتات والمشروطات قبل حصول شرطها، ويكفى في صحته مجرد كونه رفعا لما هو المنشأ بالانشاء السابق، ولو كان ذلك مجرد احداث الملازمة بين الامرين، كذلك في الأحكام الشرعية، فيكفي في صحته أيضا مجرد كونه رفعا لما تحقق بالانشاء السابق ولو لم يكن حكما فعليا على الاطلاق، بل كان عبارة عن صرف قضية تعليقية ومحض الملازمة بين وجود شئ ووجوب أمر كذا، إذ لا فرق بينهما الا من جهة انه في العرفيات عبارة عن ظهور الواقع بعد خفائه من جهة ما يبدو لهم لما يرون فيه من المفاسد أو المزاحمة لما هو الأهم بخلافه في الشرعيات فإنه من جهة علمه سبحانه بعواقب الأمور و إحاطته بالواقعيات عبارة عن إظهار الواقع بعد اختفائه لمصلحة تقتضيه. ومن ذلك نقول: بان باب النسخ أشبه شئ بباب التورية و التقية، في كونه من باب التصرف في الجهة، من حيث إظهاره سبحانه حكما بنحو الدوام والاستمرار لمصلحة تقتضيه، مع علمه سبحانه بنسخة فيما بعد حسب ما يرى في علمه من المصالح المقتضية لذلك، وعليه فصح أن يقول: إن جاء وقت كذا يجب كذا، ثم يقول بعد حين قبل مجئ الوقت: نسخت ذلك الحكم، فكان المرفوع هو تلك الملازمة الثابتة بين وجوب شئ ومجئ وقت كذائي، ونتيجة ذلك هو عدم وجوب ذلك الشئ عليه عند تحقق الوقت الكذائي. ثم إن ذلك أيضا بناء على المشهور في المشروطات من عدم فعلية التكليف فيها الا بعد حصول المنوط به والشرط خارجا، والا فبناء على ما اخترناه من فعلية الإرادة والتكليف فيها بجعل المنوط به هو الشئ في فرضه ولحاظه طريقا إلى الخارج فلا يحتاج إلى جعل المرفوع هو الملازمة، حيث كان المرفوع حينئذ هو الحكم الفعلي المنوط، بل لو قلنا برجوع المشروطات إلى المعلقات بإرجاع القيود الواقعة في الاحكام إلى الواجب والمأمور به كان الامر أظهر، من جهة فعلية الإرادة المطلقة الغير المنوطة بشي حتى في فرضه ولحاظه