لخصوص المتلبس الفعلي، فنقول: ان الأقوال في المسألة وان كثرت من القول بالوضع لخصوص المتلبس الفعلي، والقول بالوضع للأعم، والتفصيل بين المحكوم والمحكوم عليه، وغيره من التفاصيل المذكورة في المطولات الا انا نكتفي بذكر القولين الأولين لكونهما هما العمدة في الباب.
فنقول: ان المختار من القولين المزبورين هو الأول من الوضع لخصوص المتلبس الفعلي.
لنا على ذلك أولا: التبادر حيث كان المتبادر من إطلاق قولك زيد قائم أو عادل هو خصوص المتلبس الفعلي بالمبدأ دون الأعم منه وما انقضى عنه المبدأ، بل وصحة سلب القائم والعادل عن المنقضى عنه القيام والعدالة حقيقة، فإنه يصح ان يقال: إنه ليس بقائم أو عادل فعلا حقيقة بل هو قاعد وفاسق فعلا، فان من الواضح انه لو كان المشتق حقيقة في الأعم لما صح السلب المزبور عمن كان سابقا متلبسا بالقيام والعدالة، مع أن صحة سلب القائم والعادل عنه في الوضوح كالنار على المنار والشمس في رابعة النهار، كيف وقد عرفت بأنه يصدق عليه فعلا ما يضاده بحسب الارتكاز لضرورة صدق القاعد الفعلي عليه بعد انقضاء القيام عنه وصدق الجاهل والفقير عليه فعلا بعد انقضاء العلم والغنى عنه، وهكذا في مثل الاكل والفارغ عن الاكل والمشتغل به فإنه بعد فراغه عن الاكل لا يكاد يصدق عليه عنوان المشتغل بالاكل بل يصدق عليه بالضرورة عنوان الفارغ، والمشتغل والفارغ أيضا من المشتقات.
بل ولئن تدبرت ترى كون هذا الوجه برهانا تاما مستقلا على عدم كون المشتق حقيقة الا في خصوص المتلبس الفعلي كما قرب أيضا بتقريب انه لا ريب في مضادة الأوصاف المتقابلة المأخوذة من المبادي المتضادة بحسب الارتكاز كالأبيض والأسود والعالم والجاهل ونحوها بنحو يأبى الارتكاز عن صدقها على موضوع واحد في زمان واحد، ومن المعلوم ان مثل هذه المضادة الارتكازية انما يتم على مسلك من اعتبر التلبس الفعلي لان لازمه حينئذ كون شخص واحد في زمان واحد مصداقا فعليا للأبيض والأسود والعالم والجاهل و القائم والقاعد والمشتغل والفارغ ونحوها وهو مما يكذبه الوجدان السليم بحسب ما له من الارتكاز بالمضادة بين تلك الأوصاف. و اما بناء على القول بالأعم فلا يتم ذلك لان لازمه ان لا يكون مضادة بين الأوصاف المزبورة بل كان بينها المخالفة التي لازمها عدم الاباء عن الاجتماع في موضوع واحد، كما هو الشأن في كلية المتخالفين