الأصل في المشتقات. لا يقال: على ذلك لم لا يجعل الأصل فيها المعنى الاسم المصدري مع أنه من جهة تجرده عن خصوصية النسبة أيضا يكون أقرب من المعنى المصدري، فإنه يقال: نعم، ولكنه باعتبار تجرده عن النسبة بل وعدم كون الوضع فيه وضعا انحلاليا وكونه من قبيل وضع الجوامد عد كونه مباينا مع سائر المشتقات وخارجا عنها فلذلك لم يعتنوا بجهة أقربيته فجعل الأصل فيها ما كان من سنخ المشتقات مما يكون واجدا للنسبة ويكون وضعه انحلاليا، ومن المعلوم ان الأقرب منها حينئذ لا يكون الا المصدر كما هو واضح.
واما ما يظهر من بعضهم: من أن الأصل فيها هو الفعل الماضي أو المضارع فلعل الوجه فيه هو جهة تقدم الفعل رتبة باعتبار اشتماله على النسب التامة على المصدر واسم الفاعل والمفعول لأنهما إلى المصدر والوصف لاشتمالهما على النسب الناقصة يكونان من القضايا التقيدية المتأخرة رتبة عن القضايا التامة كما عرفت بيانه في مبحث الحروف، هذا، ولكن لا يخفى عليك ان ذلك كله انما هو لمحض المماشاة مع القائلين بان المصدر أو الفعل هو الأصل في المشتقات والا فقد عرفت ان حديث الأصلية والفرعية مما لا أصل له وان كلا من المصدر والفعل أصل برأسه في قبال البقية كما هو واضح.
وكيف كان فمما ذكرنا ظهر لك حال الوضع في المشتقات من كونه وضعا انحلاليا باعتبار المادة والهيئة لا وضعا جامديا كي يكون مجموع المادة والهيئة في كل واحد من الصيغ موضوعا لمعنى خاص، فكانت المادة السارية في كل واحد من المصدر وغيره من كل باب موضوعة بوضع نوعي للدلالة على نفس الحدث وهو المعنى المجرد المحفوظ فيها، وكانت الهيئة أيضا في كل واحد من الصيغ موضوعة بوضع شخصي للدلالة على نسبة الحدث إلى الذات فوضع من الهيئة مثلا ما كان على زنة فعل (بالسكون) للدلالة على نسبة الحدث إلى الذات وهكذا ما كانت على زنة فعل (بالتحريك) ويفعل وفاعل ومفعول وفعيل ومفعل ومفعال ونحو ذلك كل ذلك للدلالة على النسبة على اختلاف أنحائها من الصدور والايجاد والوقوع والحلول والظرفية وغيرها كما هو واضح.
الجهة الثانية:
قد اشتهر في كلماتهم دلالة الفعل على زمان حتى أنهم أخذوا الاقتران بالزمان في تعريفه وجعلوه فارقا بينه وبين الأسماء، فعرفوا الاسم بأنه كلمة تدل على معنى في نفسه غير مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة، والفعل بأنه كلمة تدل على معنى في نفسه