وقد يكون النصب للدنيا أو للآخرة، ولم يبين المراد بالنصب في أي شيء، فاختلف فيه، ولكنها أقوال متقاربة.
فقيل: في الدعاء بعد الفراغ من الصلاة.
وقيل: في النافلة من الفريضة، والذي يشهد له القرآن، أنه توجيه عام للأخذ بحظ الآخرة بعد الفراغ من عمل الدنيا، كما في مثل قوله تعالى: * (ومن اليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) *، وقوله: * (إن ناشئة اليل هى أشد وطأ وأقوم قيلا) *، أي لأنها وقت الفراغ من عمل النهاء وفي سكون الليل، وقوله: * (إذا جآء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون فى دين الله أفواجا * فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا) *، فيكون وقته كله مشغولا، إما للدنيا وإما للدين.
وفي قوله: * (فإذا فرغت فانصب) *، حل لمشكلة الفراغ التي شغلت العالم حيث لم تترك للمسلم فراغا في وقته، لأنه إما في عمل للدنيا، وإما في عمل للآخرة.
وقد روي عن ابن عباس: (أنه مر على رجلين يتصارعان فقال لهما: ما بهذا أمرنا بعد فراغنا).
وروي عن عمر أنه قال: (إني لأكره لأحدكم أن يكون خاليا سبهللا، لا في عمل دنيا ولا دين) ولهذا لم يشك الصدر الأول فراغا في الوقت.
ومما يشير إلى وضع الصدر الأول، ما رواه مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: قلت لعائشة رضي الله عنها وأنا يومئذ حديث السن: (أرأيت قول الله تعالى: * (إن الصفا والمروة من شعآئر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما) *، فما على الرجل شيء ألا يطوف بهما؟ فقالت عائشة: كلا لو كان كما تقول لكانت، فلا جناح عليه ألا يطوف بهما).
فانظر رحمك الله وإياي، فيم يفكر حديث السن، وكيف يستشكل معاني القرآن، فمثله لا يوجد عنده فراغ.