، فقد قسمت هذه الآيات الأمة كلها أمة الدعوة إلى قسمين.
أما التذكير والإنذار، إذ قال تعالى: * (فذكر إن نفعت الذكرى) *، فهذا موقف النبي صلى الله عليه وسلم، وجاء تقسيم الأمة إلى القسمين الآيتين: * (سيذكر من يخشى) *: فينتفع بالذكرى وتنفعه، * (ويتجنبها الا شقى) *، فلا تنفعه ولا ينتفع بها، ثم جاء الحكم بالفلاح: * (قد أفلح من تزكى) *، أي من يخشى * (وذكر اسم ربه فصلى) *، ولم يغفل عن ذكر الله تعالى، وهذا الموقف بنفسه هو المفصل في سورة الحديد، وفي معرض التوجيه لنا والتوبيخ للأمم الماضية أيضا * (ألم يأن للذين ءامنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الا مد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون) *.
فقسوة القلب وطول الأمد والتسويف: هي العوامل الأساسية للغفلة وإيثار الدنيا. والخشية والذكر: هي العوامل الأساسية لإيثار الآخرة ثم عرض الدنيا في حقيقتها بقوله: * (اعلموا أنما الحيواة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر فى الا موال والا ولاد كمثل غيث) * إلى قوله * (والله ذو الفضل العظيم) *.
فوصف الداء والدواء معا في هذا السياق. فالداء: هو الغرور، والدواء: هو المسابقة إلى مغفرة من الله ورضوانه.
وقوله: * (إن هاذا لفى الصحف الا ولى) *، قيل: اسم الإشارة راجع إلى السورة، كلها لتضمنها معنى التوحيد والمعاد والذكر والعبادات، والصحف الأولى: هي صحف إبراهيم وموسى، على أنها بدل من الأولى.
وجاء عند القرطبي: أن صحف إبراهيم كانت أمثالا، وصحف موسى كانت مواعظ، وذكر نماذج لها.
وعند الفخر الرازي من رواية أبي ذر رضي الله عنه، أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم (كم أنزل الله من كتاب؟ فقال: مائة وأربعة كتب على آدم عشر صحف، وعلى شئث خمسين صحيفة: وعلى إدريس ثلاثين صحيفة، وعلى إبراهيم عشر صحائف والتوراة والإنجيل والزبور والفرقان).