أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٨ - الصفحة ٣٦
النبوات والرسائل السماوية إلى ابتزاز ثروات الناس ونزع ملكهم الخاص عن أملاكهم، بدعوى المساواة بين الناس في معايشهم، أمر باطل لا يمكن بحال من الأحوال، مع أنهم لا يقصدون ذلك الذي يزعمون. وإنما يقصدون استئثارهم بأملاك جميع الناس لينعموا بها ويتصرفوا فيها كيف شاءوا تحت ستار كثيف من أنواع الكذب والغرور والخداع، كما يتحققه كل عاقل مطلع على سيرتهم وأحوالهم مع المجتمع في بلادهم.
فالطغمة القليلة الحاكمة ومن ينضم إليها هم المتمتعون بجميع خيرات البلاد وغيرهم من عامة الشعب محرومون من كل خير، مظلومون في كل شيء، حتى ما كسبوه بأيديهم، يعلفون ببطاقة كما تعلف البغال والحمير.
وقد علم الله جل وعلا في سابق علمه أنه يأتي ناس يغتصبون أموال الناس بدعوى أن هذا فقير، وهذا غني، وقد نهى جل وعلا عن اتباع الهوى بتلك الدعوى، وأوعد من لم ينته عن ذلك بقوله تعالى: * (إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا) * وفي قوله: * (فإن الله كان بما تعملون خبيرا) * وعيد شديد لمن فعل ذلك. انتهى حرفيا.
والحق أن الأرزاق قسمة الخلاق، فهو أرأف بالعباد من أنفسهم، وليس في خزائنه من نقص ولكنها الحكمة لمصلحة عباده، وفي الحديث القدسي: (إن من عبادي لمن يصلح له الفقر، ولو أغنيته لفسد حاله، وإن من عبادي لمن يصلح له الغنى ولو أفقرته لفسد حاله) فهو سبحانه يعطي بقدر، ولا يمسك عن قتر.
ويكفي في هذا المقام سياق الآية الكريمة التي تكلم الشيخ رحمة الله تعالى عليه في أسلوبها في قوله تعالى: * (نحن قسمنا) * وهذا الضمير معلوم أنه للتعظيم والتفخيم، ومثله الضمير في قسمنا، فلا مجال لتدخل المخلوق، ولا مكان لغير الله تعالى في ذلك. والقسمة إذا كانت من الله تعالى، فلا تقوى قوة في الأرض على إبطالها، ثم إن واقع الحياة يؤيد ذلك بل ويتوقف عليه، كما قال تعالى * (ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا) *.
وهؤلاء المعتدون على أموال الناس يعترفون بذلك، ويقرون نظام الطبقات عمال وغير عمال. إلخ، فلا دليل في آية سورة الحشر هنا * (كى لا يكون دولة بين الا غنيآء
(٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 ... » »»