قالوا آمنا، وأن الله جل وعلا أمر نبيه أن يقول لهم: * (لم تؤمنوا ولاكن قولوا أسلمنا) *، وهذا يدل على نفي الإيمان عنهم وثبوت الإسلام لهم.
وذلك يستلزم أن الإيمان أخص من الإسلام لأن نفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم.
وقد قدمنا مرارا أن مسمى الإيمان الشرعي الصحيح، والإسلام الشرعي الصحيح هو استسلام القلب بالاعتقاد واللسان بالإقرار، والجوارح بالعمل، فمؤداهما واحد كما يدل له قوله تعالى: * (فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين) *.
وإذا كان ذلك كذلك فإنه يحتاج إلى بيان وجه الفرق بين الإيمان والإسلام في هذه الآية الكريمة، لأن الله نفى عنهم الإيمان دون الإسلام، ولذلك وجهان معروفان عند العلماء أظهرهما عندي أن الإيمان المنفى عنهم في هذه الآية هو مسماه الشرعي الصحيح، والإسلام المثبت لهم فيها هو الإسلام اللغوي الذي هو الاستسلام والانقياد بالجوارح دون القلب.
وإنما ساغ إطلاق الحقيقة اللغوية هنا على الإسلام مع أن الحقيقة الشرعية مقدمة على اللغوية على الصحيح، لأن الشرع الكريم جاء باعتبار الظاهر. وأن تواكل كل السرائر إلى الله.
فانقياد الجوارح في الظاهر بالعمل واللسان بالإقرار يكتفي به شرعا، وإن كان القلب منطويا على الكفر.
ولهذا ساغ إرادة الحقيقة اللغوية في قوله: * (ولاكن قولوا أسلمنا) *، لأن انقياد اللسان والجوارح في الظاهر إسلام لغوي مكتفى به شرعا عن التنقيب عن القلب.
وكل انقياد واستسلام وإذعان يسمى إسلاما لغة. ومنه قول زيد بن عمرو بن نفيل العدوي مسلم الجاهلية: وكل انقياد واستسلام وإذعان يسمى إسلاما لغة. ومنه قول زيد بن عمرو بن نفيل العدوي مسلم الجاهلية:
* وأسلمت وجهي لمن أسلمت * له الأرض تحمل صخرا ثقالا * * دحاها فلما استوت شدها * جميعا وأرسى عليها الجبالا * * وأسلمت وجهي لمن أسلمت * له المزن تحمل عذبا زلالا * * إذا هي سقيت إلى بلدة * أطاعت فصبت عليها سجالا *