* (وتمت كلمة ربك لاملان جهنم من الجنة والناس أجمعين) * قال: فالحق والحق أقول لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين، وقد قدمنا الآيات الموضحة لهذا في سورة يس في الكلام على قوله تعالى: * (لقد حق القول على أكثرهم) *، لأن إقسامه تعالى في هذه الآية المدلول عليه بلام التوطئة في لأملأن على أنه يملأ جهنم من الجنة والناس، دليل على أنها لا بد أن تمتلئ، ولذا قالوا: إن معنى هل من مزيد، لا مزيد، لأني قد امتلأت فليس في محل للمزيد، وأما القول الآخر، فهو أن المراد بالاستفهام في قول النار: هل من مزيد؟ هو طلبها للزيادة، وأنها لا تزال كذلك حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوى بعضها إلى بعض وتقول: قط قط أي كفاني قد امتلأت، وهذا الأخير هو الأصح، ولما ثبت في الصحيحين، وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم (أن جهنم لا تزال تقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض وتقول قط قط)، لأن في هذا الحديث المتفق عليه التصريح بقولها قط قط، أي كفاني قد امتلأت، وأن قولها قبل ذلك هل من مزيد لطلب الزيادة، وهذا الحديث الصحيح من أحاديث الصفات، وقد قدمنا الكلام عليها مستوفى في سورة الأعراف والقتال. واعلم أن قول النار في هذه الآية: هل من مزيد، قول حقيقي ينطقها الله به، فزعم بعض أهل العلم أنه كقول الحوض: (أن جهنم لا تزال تقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض وتقول قط قط)، لأن في هذا الحديث المتفق عليه التصريح بقولها قط قط، أي كفاني قد امتلأت، وأن قولها قبل ذلك هل من مزيد لطلب الزيادة، وهذا الحديث الصحيح من أحاديث الصفات، وقد قدمنا الكلام عليها مستوفى في سورة الأعراف والقتال. واعلم أن قول النار في هذه الآية: هل من مزيد، قول حقيقي ينطقها الله به، فزعم بعض أهل العلم أنه كقول الحوض:
* امتلأ الحوض فقال قطني * مهلا رويدا قد ملأت بطني * وأن المراد بقولها ذلك هو ما يفهم من حالها خلاف التحقيق وقد أوضحنا ذلك بأدلته في سورة الفرقان في الكلام على قوله تعالى: * (إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا) *. والعلم عند الله تعالى. قوله تعالى: * (وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد) *. قوله: أزلفت أي قربت. وقوله غير بعيد: فيه معنى التوكيد لقوله: أزلفت سواء أعربت غير بعيد بأنها حال أو ظرف، وما تضمنته هذه الآية الكريمة من إزلاف الجنة للمتقين جاء في مواضع أخر من كتاب الله كقوله تعالى: * (وإذا الجحيم سعرت وإذا الجنة أزلفت) *، وقوله تعالى: * (وأزلفت الجنة للمتقين وبرزت الجحيم للغاوين) *.