أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٧ - الصفحة ٤١٣
وقد نهى الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة عن السخرية من الناس، مبينا أن المسخور منه قد يكون خيرا من الساخر.
ومن أقبح القبيح استخفاف الدنيء الأرذل بالأكرم الأفضل، واستهزاؤه به.
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من النهي عن السخرية جاء ذم فاعله وعقوبته عند الله في غير هذا الموضع، كقوله تعالى: * (الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم) *.
وقد بين تعالى أن الكفار المترفين في الدنيا كانوا يسخرون من ضعاف المؤمنين في دار الدنيا، وأن أولئك يسخرون من الكفار يوم القيامة، كما قال تعالى: * (زين للذين كفروا الحيواة الدنيا ويسخرون من الذين ءامنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة) * وقال تعالى: * (إن الذين أجرموا كانوا من الذين ءامنوا يضحكون وإذا مروا بهم يتغامزون) * إلى قوله تعالى: * (فاليوم الذين ءامنوا من الكفار يضحكون على الا رآئك ينظرون هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون) *.
فلا ينبغي لمن رأى مسلما في حالة رثة تظهر بها عليه آثار الفقر والضعف أن يسخر منه لهذه الآيات التي ذكرنا. قوله تعالى: * (ولا تلمزوا أنفسكم) *. أي لا يلمز أحدكم أخاه كما تقدم إيضاحه في سورة بني إسرائيل في الكلام على قوله تعالى: * (إن هاذا القرءان يهدى للتى هى أقوم) *.
وقد أوعد الله جل وعلا الذين يلمزون الناس في قوله تعالى: * (ويل لكل همزة لمزة) *، والهمزة كثير الهمز للناس، واللمزة كثير اللمز.
قال بعض العلماء: الهمز يكون بالفعل كالغمز بالعين احتقارا وازدراء، واللمز باللسان، وتدخل فيه الغيبة.
وقد صرح الله تعالى بالنهي عن ذلك في قوله: * (ولا يغتب بعضكم بعضا) * ونفر عنه غاية التنفير في قوله تعالى: * (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه) * فيجب على المسلم أن يتباعد كل التباعد من الوقوع في عرض أخيه.
(٤١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 408 409 410 411 412 413 414 415 416 417 418 ... » »»