أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٧ - الصفحة ٢٠
* (إن استحبوا الكفر على الإيمان) * موافق في المعنى لقوله هنا: فاستحبوا العمى على الهدى.
ونظير ذلك في المعنى قوله تعالى: * (الذين يستحبون الحيواة الدنيا على الا خرة ويصدون عن سبيل الله) *.
فلفظة استحب في القرآن كثيرا ما تتعدى بعلى، لأنها في معنى اختار وآثر.
وقد قدمنا في سورة هود في الكلام على قوله تعالى: * (مثل الفريقين كالا عمى) *. أن العمى الكفر، وأن المراد بالأعمى في آيات عديدة الكافر. وما تضمنته هذه الآية الكريمة، من أن الهدى يأتي في القرآن بمعناه العام، الذي هو البيان، والدلالة، والإرشاد، لا ينافي أن الهدى قد يطلق في القرآن في بعض المواضع، على الهدى الخاص الذي هو التوفيق، والاصطفاء، كقوله تعالى: * (أولائك الذين هدى الله فبهداهم اقتده) *.
فمن إطلاق القرآن الهدى على معناه العام قوله هنا: * (وأما ثمود فهديناهم) * أي بينا لهم طريق الحق وأمرناهم بسلوكها، وطرق الشر ونهيناهم عن سلوكها على لسان نبينا صالح، عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام * (فاستحبوا العمى على الهدى) * أي اختاروا الكفر على الإيمان بعد إيضاح الحق لهم.
ومن إطلاقه على معناه العام قوله تعالى: * (إنا هديناه السبيل) * بدليل قوله بعده * (إما شاكرا وإما كفورا) *، لأنه لو كان هدى توفيق لما قال: * (وإما كفورا) *.
ومن إطلاقه على معناه الخاص قوله تعالى: * (فبهداهم اقتده) *. وقوله تعالى: * (والذين اهتدوا زادهم هدى) *. وقوله: * (من يهد الله فهو المهتد) *.
وبمعرفة هذين الإطلاقين تتيسر إزالة إشكال قرآني: وهو أنه تعالى: أثبت الهدى لنبينا صلى الله عليه وسلم في آية، وهي قوله تعالى: * (وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم) * ونفاه عنه في آية أخرى وهي قوله تعالى: * (إنك لا تهدى من أحببت) *.
(٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 ... » »»