بذلك الامتحان، جاء موضحا في آيات كثيرة قدمناها مرارا كقوله * (وما جعلنآ أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين ءامنوا إيمانا ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين فى قلوبهم مرض والكافرون ماذآ أراد الله بهاذا مثلا كذلك يضل الله من يشآء ويهدى من يشآء) * وقوله تعالى * (وما جعلنا القبلة التى كنت عليهآ إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه) * وقوله * (وما جعلنا الرءيا التى أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة فى القرءان) * أي لأنها فتنة، كما قال * (أذالك خير نزلا أم شجرة الزقوم * إنا جعلناها فتنة للظالمين * إنها شجرة تخرج فى أصل الجحيم) *. لأنه لما نزلت هذه الآية قالوا: ظهر كذب محمد صلى الله عليه وسلم لأن الشجر لا ينبت في الموضع اليابس، فكيف تنبت شجرة في أصل الجحيم إلى غير ذلك من الآيات، كما تقدم إيضاحه مرارا، والعلم عند الله تعالى واللام في قوله * (ليجعل ما يلقى الشيطان) * الأظهر أنها متعلقة، بألقى أي ألقى الشيطان في أمنية الرسل والأنبياء، ليجعل الله ذلك الإلقاء فتنة للذين في قلوبهم مرض، خلافا للخوفي القائل: إنها متعلقة بيحكم، وابن عطية القائل: إنها متعلقة بينسخ. ومعنى كونه: فتنة لهم أنه سبب لتماديهم في الضلال والكفر، وقد أوضحنا معاني الفتنة في القرآن سابقا، وبينا أن أصل الفتنة في اللغة وضع الذهب في النار، ليظهر بسبكه فيها أخالص هو أم زائف، وأنها في القرآن تطلق على معان متعددة منها: الوضع في النار، ومنه قوله تعالى * (يوم هم على النار يفتنون) * أي يحرقون بها. وقوله تعالى * (إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات) * أي أحرقوهم بنار الأخدود على أظهر التفسيرين، ومنها: الاختبار وهو أكثر استعالاتها في القرآن، كقوله تعالى * (إنمآ أموالكم وأولادكم فتنة) * وقوله تعالى * (ونبلوكم بالشر والخير فتنة) * وقوله تعالى * (وألو استقاموا على الطريقة لاسقيناهم مآء غدقا لنفتنهم فيه) * ومنها: نتيجة الابتلاء إن كانت سيئة كالكفر والضلال كقوله * (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) * أي شرك بدليل قوله * (ويكون الدين لله وقوله في الأنفال * (ويكون الدين كله لله) * ومما يوضح هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إلاه إلا الله) الحديث. فالغاية في الحديث مبينة للغاية في الآية،
(٢٨٩)