أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٥ - الصفحة ٢٨٦
والعزى، ومناة الثالثة الأخرى: * (إن هى إلا أسمآء سميتموهآ أنتم وءابآؤكم مآ أنزل الله بها من سلطان) * وليس من المعقول أن النبي صلى الله عليه وسلم يسب آلهتهم هذا السب العظيم في سورة النجم متأخرا عن ذكره لها بخير المزعوم، إلا وغضبوا، ولم يسجدوا لأن العبرة بالكلام الأخير، مع أنه قد دلت آيات قرآنية على بطلان هذا القول، وهي الآيات الدالة على أن الله لم يجعل للشيطان سلطانا على النبي صلى الله عليه وسلم، وإخوانه من الرسل، وأتباعهم المخلصين كقوله تعالى: * (إنه ليس له سلطان على الذين ءامنوا وعلى ربهم يتوكلون * إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون) * وقوله تعالى: * (إن عبادى ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين) * وقوله تعالى * (وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالا خرة) * وقوله: * (وما كان لى عليكم من سلطان) *. وعلى القول المزعوم أن الشيطان ألقى على لسانه صلى الله عليه وسلم ذلك الكفر البواح، فأي سلطان له أكبر من ذلك.
ومن الآيات الدالة على بطلان ذلك القول المزعوم قوله تعالى في النبي صلى الله عليه وسلم: * (وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحى يوحى) * وقوله * (هل أنبئكم على من تنزل الشياطين * تنزل على كل أفاك أثيم) * وقوله في القرآن العظيم: * (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) * وقوله تعالى: * (وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد) * فهذه الآيات القرآنية تدل على بطلان القول المزعوم.
مسألة اعلم: أن مسألة الغرانيق مع استحالتها شرعا، ودلالة القرآن على بطلانها لم تثبت من طريق صالح للاحتجاج، وصرح بعدم ثبوتها خلق كثير من علماء الحديث كما هو الصواب، والمفسرون يروون هذه القصة عن ابن عباس من طريق الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس. ومعلوم أن الكلبي متروك، وقد بين البزار رحمه الله: أنها لا تعرف من طريق يجوز ذكره إلا طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير، مع الشك الذي وقع في وصله، وقد اعترف الحافظ ابن حجر مع انتصاره، لثبوت هذه القصة بأن طرقها كلها إما منقطعة أو ضعيفة إلا طريق سعيد بن جبير.
وإذا علمت ذلك فاعلم أن طريق سعيد بن جبير، لم يروها بها أحد متصلة إلا
(٢٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 281 282 283 284 285 286 287 288 289 290 291 ... » »»