أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٥ - الصفحة ٢٩٣
ذكر غير واحد من المفسرين: أن الإشارة في قوله: ذلك راجعة إلى نصرة من ظلم من عباده المؤمنين المذكور قبله في قوله * (ذالك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغى عليه لينصرنه الله) * أي ذلك النصر المذكور كائن بسبب أنه قادر لا يعجز عن نصرة من شاء نصرته، ومن علامات قدرته الباهرة: أنه يولج الليل في النهار، ويولج النهار في الليل أو بسبب أنه خالق الليل والنهار، ومصرفهما، فلا يخفى عليه ما يجري فيهما على أيدي عباده من الخير والشر والبغي والانتصار، وأنه سميع لما يقولون، بصير بما يفعلون: أي وذلك الوصف بخلق النهار والليل والإحاطة بما يجري فيهما، والإحاطة بكل قول وفعل بسبب أن الله هو الحق: أي الثابت الإلهية والاستحقاق للعبادة وحده، وأن كل ما يدعى إلاها غيره باطل وكفر، ووبال على صاحبه، وأنه جل وعلا هو العلي الكبير، الذي هو أعلا من كل شيء وأعظم وأكبر سبحانه وتعالى علوا كبيرا.
وقد أشار تعالى لأول ما ذكرنا. بقوله * (ذالك بأن الله يولج اليل فى النهار) *، ولآخره بقوله * (ذالك بأن الله هو الحق) *.
والأظهر عندي: أن الإشارة في قوله ذلك: راجعة إلى ما هو أعم من نصرة المظلوم، وأنها ترجع لقوله * (الملك يومئذ لله يحكم بينهم) * إلى ما ذكره من نصرة المظلوم: أي ذلك المذكور من كون الملك له وحده، يوم القيامة، وأنه الحاكم وحده بين خلقه، وأنه المدخل الصالحين جنات النعيم والمعذب الذين كفروا العذاب المهين، والناصر من بغى عليه من عباده المؤمنين، بسبب أنه القادر على كل شيء، ومن أدلة ذلك: أنه يولج الليل في النهار إلى آخر ما ذكرنا. وهذا الذي وصف به نفسه هنا من صفات الكمال والجلال ذكره في غير هذا الموضع كقوله في سورة لقمان، مبينا أن من اتصف بهذه الصفات قادر على إحياء الموتى، وخلق الناس * (ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة إن الله سميع بصير) *.
ثم استدل على قدرته على الخلق والبعث، فقال: * (ألم تر أن الله يولج اليل فى النهار ويولج النهار فى اليل وسخر الشمس والقمر كل يجرى إلى أجل مسمى وأن الله بما تعملون خبير * ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلى الكبير) * فهذه الصفات الدالة على كمال قدرته، استدل بها على قدرته في الحج، وفي لقمان. وإيلاج كل من الليل والنهار في الآخر فيه معنيان:
(٢٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 288 289 290 291 292 293 294 295 296 297 298 ... » »»