أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٥ - الصفحة ٢١٤
فيه الدلالة الصريحة: على جواز التضحية بجذع المعز، وذكر ابن حجر في الفتح: أن البيهقي ذكر زيادة في حديث عقبة بن عامر، المذكور عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعقبة: (ولا رخصة فيها لأحد بعدك) وقال ابن حجر: إن الطريق التي روى بها البيهقي الزيادة المذكورة صحيحة: وإن حاول بعضهم تضعيفها.
فالجواب: أن الجمع بين ما وقع لأبي بردة، وعقبة بن عامر أشكل على كثير من أهل العلم، ويزيده إشكالا، أن الترخيص في الأضحية بجذع المعز ورد عنه صلى الله عليه وسلم لجماعة آخرين. قال ابن حجر في الفتح: فقد أخرج أبو داود وأحمد، وصححه ابن حبان من حديث زيد بن خالد (أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه عتودا جذعا فقال: ضح به. فقلت: إنه جذع أفأضحي؟ قال: نعم ضح به فضحيت به) لفظ أحمد إلى أن قال: وفي الطبراني في الأوسط، من حديث ابن عباس (أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى سعد بن أبي وقاص جذعا من المعز فأمره أن يضحي به) وأخرجه الحاكم من حديث عائشة، وفي سنده ضعف، ولأبي يعلى، والحاكم من حديث أبي هريرة: أن رجلا قال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا جذع من الضأن مهزول، وهذا جذع من المعز سمين، وهو خيرهما أفأضحي به؟ قال (ضح به فإن لله الخير) انتهى بواسطة نقل ابن حجر في فتح الباري.
وإذا عرفت أن في الأحاديث المذكورة إشكالا، فاعلم: أن الحافظ في الفتح تصدى لإزالة ذلك الإشكال، فقال في موضع بعد سوقه الأحاديث التي ذكرنا والحق أنه لا منافاة بين هذه الأحاديث، وبين حديثي أبي بردة وعقبة، لاحتمال أن يكون ذلك في ابتداء الأمر، ثم تقرر الشرع بأن الجذع من المعز لا يجزئ، واختص أبو بردة وعقبة بالرخصة في ذلك. وإنما قلت ذلك: لأن بعض الناس زعم أن هؤلاء شاركوا أبا بردة وعقبة في ذلك، والمشاركة إنما وقعت في مطلق الإجزاء لا في خصوص منع الغير. انتهى محل الغرض منه بلفظه. ومقصوده: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل لأحد ممن رخص لهم في التضحية بجذع المعز (ولن تجزىء عن أحد بعدك) إلا لأبي بردة، وعقبة بن عامر على ما رواه البيهقي، والذين لم يقل لهم، ولن تجزىء عن أحد بعدك، لا إشكال في مسألتهم، لاحتمال أنها قبل تقرر الشرع بعدم إجزاء جذع المعز، فبقي الإشكال بين حديث أبي بردة، وحديث عقبة. وقد تصدى لحله ابن حجر في الفتح أيضا فقال في موضع: وأقرب ما يقال فيه: إن ذلك صدر لكل منهما في وقت واحد، أو تكون خصوصية الأول نسخت بثبوت الخصوصية للثاني، ولا مانع من ذلك، لأنه لم يقع في السياق استمرار المنع لغيره
(٢١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 219 ... » »»