أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٥ - الصفحة ١٥٣
بالعمرة إلى الحج) * جعل فيه الحج غاية بحرف الغاية الذي هو إلى، فيجب تعلق الحكم الذي هو ذبح الهدي بأول الغاية، وهو الحج وأوله الإحرام، فيجب الذبح بالإحرام كقوله: * (ثم أتموا الصيام إلى اليل) * فإن حكم إتمام الصيام ينتهي بأول جزء من الليل، الذي هو الغاية لإتمامه مردود من وجهين.
الأول: أن هذا غير مطرد، فلا يلزم تعلق الحكم بأول ما جعل غاية.
ومن النصوص التي لم يتعلق الحكم فيها بأول ما جعل غاية قوله تعالى: * (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) * فنكاحها زوجا غيره جعل غاية لعدم حليتها له، مع أن أول هذه الغاية الذي هو عقد النكاح، لا يتعلق به الحكم، بل لا بد من بلوغ آخر الغاية: وهو الجماع، ولذا قال صلى الله عليه وسلم (لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك) فعلم أن التعلق بأول الغاية: لا يلزم على كل حال.
الوجه الثاني: أن سنة النبي الثابتة عنه من فعله، ومفهوم قوله: بينت أن هذا الحكم، لا يتعلق بأول الغاية، وإنما يتعلق بآخرها وهو الإحلال الأول: لأنه لم ينحر هدي تمتع، ولا قران إلا بعد رمي جمرة العقبة، وفعله فيه البيان الكافي للمراد من الغاية التي يترتب عليها * (فما استيسر من الهدى) * والله يقول * (لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الا خر) * ففعله مبين لقوله * (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى) * لأنه ذبح عن أزواجه المتمتعات يوم النحر، وأمر أصحابه المتمتعين بذلك، وخير ما يبين به القرآن بعد القرآن السنة، والله يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم * (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) *، وهو صلى الله عليه وسلم يبين المناسك بأفعاله، موضحا بذلك المراد من القرآن، ويقول (لتأخذوا عني مناسككم).
الثالث: أنه لو جاز له ذبحه قبل يوم النحر، لجاز الحلق قبل يوم النحر، وذلك باطل فالحلق لا يجوز، حتى يبلغ الهدي محله. كما هو صريح القرآن، والحلق لم يجز قبل يوم النحر، فالهدي لم يبلغ محله قبل يوم النحر، وهو واضح كما ترى، ولذا لم يأذن صلى الله عليه وسلم في حجته، لمن ساق هديا أن يحل ويحلق، وإنما أمر بفسخ الحج في العمرة من لم يسق هديا، ولا شك أن ذلك عمل منه بقوله تعالى: * (ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدى محله) *.
واستدلالهم بحديث جابر المتقدم عند مسلم قال: (فأمرنا إذا أحللنا أن نهدي
(١٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 ... » »»