قال * (وأذن فى الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله فى أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الا نعام) * لأن مضمون الآية الكريمة: أذن فيهم بالحج يأتوك حجاجا مشاة وركبانا، لأجل أن يشهدوا منافع لهم، ولأجل أن يذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام: أي وليتقربوا إلى الله بدماء ما رزقهم من بهيمة الأنعام، ذاكرين اسم الله عليها عند التذكية.
فقد صرح بأن ذلك التقرب بدماء الأنعام الذي هو من جملة ما دعوا إلى الحج من أجله، أنه في أيام معلومات لا في زمن مطلق مجهول كما ترى.
وقد بينا الأيام المعلومات في أول هذا البحث، وقد بين صلى الله عليه وسلم أول وقتها، فذكر اسم الله على ما رزقه من بهيمة الأنعام: وقت تذكيتها يوم النحر، ويوضح أن ذكر اسم الله عليها إنما هو عند تذكيتها تقربا لله تعالى بدمائها قوله تعالى * (والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صوآف) * أي ذكوها قائمة صواف على ثلاثة أرجل كما هو معلوم.
ولا شك أن الله جل وعلا في محكم كتابه بين أن الهدي له محل معروف لا يجوز التحلل بحلق الرأس، قبل بلوغه إياه، وذلك في قوله * (ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدى محله) *، وقد ثبتت الأحاديث الصحيحة الكثيرة التي لا مطعن فيها: أنه صلى الله عليه وسلم أمر من لم يسق هديا من أصحابه بفسخ حجه في عمرة، والإحلال من العمرة، وتأسف هو صلى الله عليه وسلم أنه لم يفعل ذلك وقال (لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة).
ولا شك أن المانع له من فسخ الحج في العمرة أنه لا يمكنه التحلل، وحلق الرأس، حتى يبلغ الهدي محله.
ومن الضروري البديهي أن هدي التمتع، لو كان يجوز ذبحه عند الإحلال من العمرة، أو الإحرام بالحج أنه صلى الله عليه وسلم يتحلل بعمرة، ويذبح هديه عندما تحلل منها، فيكون متمتعا ذابحا عند الفراغ من العمرة، أو عند الإحرام بالحج، فلما صرح بامتناع هذا وعلله بأنه قلد هديه، وعلم أنه لا يجوز ذبحه قبل يوم النحر كما هو واضح.
وقد أوضحنا أن جميع أفعاله في الحج، ويدخل فيها الذبح ووقته كلها بيان لإجمال آيات القرآن كقوله * (حتى يبلغ الهدى محله) * وقوله * (ويذكروا اسم الله فى