أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٥ - الصفحة ١١٤
ولدته أمه) وحديث (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) ومن تلك المنافع التي لم يبينها القرآن حديث (إن الله يباهى بأهل عرفة أهل السماء) الحديث كما تقدم. ومن تلك المنافع التي لم يبينها القرآن تيسر اجتماع المسلمين من أقطار الدنيا في أوقات معينة، في أماكن معينة ليشعروا بالوحدة الإسلامية، ولتمكن استفادة بعضهم من بعض، فيما يهم الجميع من أمور الدنيا والدين، وبدون فريضة الحج، لا يمسكن أن يتسنى لهم ذلك، فهو تشريع عظيم من حكيم خبير، والعلم عند الله تعالى.
قوله تعالى: * (ويذكروا اسم الله فى أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الا نعام) *.
قوله: ويذكروا منصوب بحذف النون، لأنه معطوف على المنصوب، بأن المضمرة بعد لام التعليل أعني قوله: * (ليشهدوا منافع لهم) *.
وإيضاح المعنى: وأذن في الناس بالحج يأتوك مشاة وركبانا، لأجل أن يشهدوا منافع لهم، ولأجل أن يتقربوا إليه بإراقة دماء ما رزقهم من بهيمة الأنعام، مع ذكرهم اسم الله عليها عند النحر والذبح، وظاهر القرآن يدل على أن هذا التقرب بالنحر في هذه الأيام المعلومات، إنما هو الهدايا لا الضحايا، لأن الضحايا لا يحتاج فيها إلى الأذان بالحج، حتى يأتي المضحون مشاة وركبانا، وإنما ذلك في الهدايا على ما يظهر، ومن هنا ذهب مالك، وأصحابه إلى أن الحاج بمنى لا تلزمه الأضحية ولا تسن له، وكل ما يذبح في ذلك المكان والزمان، فهو يجعله هديا لا أضحية.
وقوله: * (ويذكروا اسم الله فى أيام معلومات على ما رزقهم) * أي على نحر وذبح ما رزقهم * (من بهيمة الا نعام) * ليتقربوا إليه بدمائها، لأن ذلك تقوى منهم، فهو يصل إلى ربهم كما في قوله تعالى: * (لن ينال الله لحومها ولا دمآؤها ولاكن يناله التقوى منكم) * وقد بين في بعض المواضع أنه لا يجوز الأكل مما لم يذكر اسم الله عليه منها كقوله: * (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) *. وقوله * (وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه) * وقد بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه جعل الحرم المكي منسكا تراق فيه الدماء تقربا إلى الله، ويذكر عليها عند تذكيتها اسم الله، ولم يبين في هذه الآية، هل وقع مثل هذا لكل أمة أولا، ولكنه بين في موضع آخر: أنه جعل مثل هذا لكل أمة من الأمم، وذلك في قوله تعالى: * (ولكل أمة جعلنا
(١١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 109 110 111 112 113 114 115 116 117 118 119 ... » »»