أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٤ - الصفحة ٤٩٦
والخلف من الصحابة، فمن بعدهم، على أنه يجوز الإحرام من الميقات ومما فوقه. وحكى العبدري وغيره عن داود أنه قال: لا يجوز الإحرام مما فوق الميقات، وأنه لو أحرم مما قبله لم يصح إحرامه، ويلزمه أن يرجع، ويحرم من الميقات. وهذا الذي قاله مردود عليه بإجماع من قبله. انتهى كلام النووي.
وحجة من قال: إن الإحرام من الميقات أفضل أن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم في حجته وعمرته من الميقات الذي هو ذو الحليفة، وهذا مجمع عليه من أهل العلم، وأحرم معه في حجه وعمرته أصحابه كلهم من الميقات، وكذلك كان يفعل بعده خلفاؤه الراشدون وغيرهم من الصحابة والتابعين، وجماهير العلماء، وأهل الفضل فترك النبي صلى الله عليه وسلم الإحرام في مسجده الذي صلاة فيه أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وإحرامه من الميقات دليل واضح، لا شك فيه أن السنة هي الإحرام من الميقات، لا مما فوقه، واحتج من قال: يكون الإحرام مما فوق الميقات أفضل بما رواه أبو داود في سننه: حدثنا أحمد بن صالح، ثنا ابن أبي فديك، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن يحنس، عن يحيى بن أبي سفيان الأخنسي، عن جدته حكيمة عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أهل بحجة أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر أو وجبت له الجنة) شك عبد الله أيتهما قال: قال أبو داود: يرحم الله وكيعا أحرم من بيت المقدس، يعني إلى مكة. انتهى من سنن أبي داود. واحتج أهل هذا القول أيضا بتفسير عمر، وعلي رضي الله عنهما لقوله * (وأتموا الحج والعمرة لله) * قالا: إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك، واحتجوا أيضا بما رواه مالك في الموطأ عن الثقة عنده أن عبد الله بن عمر: أهل من إيلياء. وهي بيت المقدس، ورد المخالفون استدلال هؤلاء بأن حديث أم سلمة: ليس بالقوي.
قال النووي في شرح المهذب: وأما حديث أم سلمة، فرواه أبو داود، وابن ماجة، والبيهقي، وآخرون وإسناده ليس بالقوي، وبأن تفسير علي وعمر رضي الله عنهما للآية، وفعل ابن عمر كلاهما مخالف لفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله في حجته تفسير لآيات الحج. وقد قال صلى الله عليه وسلم (خذوا عني مناسككم) وإحرامه من الميقات مجمع عليه.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: أظهر القولين عندي دليلا هو: الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، والإحرام من الميقات، فلو كان الإحرام قبله فيه فضل لفعله صلى الله عليه وسلم، والخير كله في اتباعه صلى الله عليه وسلم.
(٤٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 489 490 491 492 493 494 495 496 497 498 499 » »»