شيء بدأ به الطواف بالبيت، ثم لم يكن غيره، ثم عمر مثل ذلك، ثم حج عثمان فرأيته أول شيء بدأ به: الطواف بالبيت، ثم لم يكن غيره، ثم معاوية، وعبد الله بن عمر، ثم حججت مع أبي الزبير بن العوام، فكان أول شيء بدأ به. الطواف بالبيت ثم لم يكن غيره، ثم رأيت المهاجرين والأنصار يفعلون ذلك، ثم لم يكن غيره ثم آخر من رأيت فعل ذلك ابن عمر، ثم لم ينقضها بعمرة، وهذا ابن عمر عندهم أفلا يسألونه؟ ولا أحد ممن مضى كانوا يبدؤون بشيء حين يضعون أقدامهم أول من الطواف بالبيت ثم لا يحلون، وقد رأيت أمي وخالتي حين تقدمان لا تبتدآن بشيء أول من البيت تطوفان به ثم لا تحلان، وقد أخبرتني أمي أنها أقبلت هي وأختها والزبير وفلان وفلان بعمرة قط، فلما مسحوا الركن حلوا، وقد كذب فيما ذكر من ذلك. انتهى من صحيح مسلم. وفيه التصريح من عروة بن الزبير رضي الله عنهما بأن الخلفاء الراشدين والمهاجرين، والأنصار كانت عادتهم أن يأتوا مفردين بالحج، ثم يتمونه كما رأيت.
وقال النووي في شرح الحديث المذكور وقوله: ثم لم يكن غيره وكذا قال فيما بعده، ولم يكن غيره هكذا هو في جميع النسخ غيره بالغين المعجمة والياء، قال القاضي عياض: كذا هو في جميع النسخ قال: وهو تصحيف وصوابه: ثم لم تكن عمرة بضم العين المهملة وبالميم، وكان السائل لعروة إنما سأله عن فسخ الحج إلى العمرة على مذهب من رأى ذلك، واحتج بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لهم بذلك في حجة الوداع، فأعلمه عروة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك بنفسه، ولا من جاء بعده. هذا كلام القاضي.
قلت: هذا الذي قاله من أن قول غيره تصحيف ليس كما قال، بل هو صحيح في الرواية وصحيح في المعنى، لأن قوله غيره يتناول العمرة وغيرها.
ويكون تقدير الكلام: ثم حج أبو بكر فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ثم لم يكن غيره: أي لم يغير الحج، ولم ينقله، ويفسخه إلى غيره لا عمرة ولا قران، والله أعلم، انتهى كلام النووي، وهو صواب.
وقال البخاري في صحيحه: حدثنا أحمد بن عيسى، حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل القرشي: أنه سأل عروة بن الزبير، فقال: قد حج النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرتني عائشة رضي الله عنها: أنه أول شيء بدأ به حين قدم: أنه توضأ، ثم طاف بالبيت، ثم لم تكن عمرة، ثم حج أبو بكر رضي الله عنه، فكان أول شيء بدأ به: الطواف بالبيت ثم لم تكن عمرة، ثم عمر رضي الله عنه مثل ذلك، ثم حج عثمان رضي الله عنه، فرأيته أول شيء بدأ به: الطواف بالبيت، ثم لم تكن عمرة، ثم معاوية وعبد الله بن عمر، ثم حججت مع أبي الزبير بن العوام، فكان أول شيء بدأ به: الطواف بالبيت، ثم لم تكن عمرة، ثم رأيت المهاجرين والأنصار يفعلون ذلك، ثم لم تكن عمرة، ثم آخر من رأيت فعل ذلك ابن عمر، ثم لم ينقصها عمرة، وهذا ابن عمر عندهم فلا يسألونه ولا أحد ممن مضى، ما كانوا يبدأون بشيء، حتى يضعوا أقدامهم من الطواف بالبيت، ثم لا يحلون. وقد رأيت أمي وخالتي حين تقدمان لا تبتدئان بشيء أول من البيت تطوفان به ثم لا تحلان، وقد أخبرتني أمي: أنها أهلت، هي وأختها والزبير، وفلان، وفلان بعمرة. فلما مسحوا الركن حلوا. انتهى منه. وقال البخاري رحمه الله في صحيحه أيضا: حدثنا أصبغ، عن ابن وهب: أخبرني عمرو عن محمد بن عبد الرحمن ذكرت لعروة قال: فأخبرتني عائشة رضي الله عنها: أن أول شيء بدأ به حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم: أنه توضأ، ثم طاف، ثم لم تكن عمرة، ثم حج أبو بكر، وعمر رضي الله عنهما مثله، ثم حججت مع أبي الزبير رضي الله عنه، فأول شيء بدأ به الطواف، ثم رأيت المهاجرين، والأنصار يفعلونه، وقد أخبرتني أمي: أنها أهلت هي وأختها والزبير وفلان وفلان بعمرة، فلما مسحوا الركن حلوا. انتهى منه.
قالوا: وجواب ابن عباس رضي الله عنهما عن حديث عروة المذكور لا يدفع احتجاج عروة بما ذكر، وكذلك جواب ابن حزم، وقد أجاب عروة ابن عباس فأسكته.
أما جواب ابن عباس الذي ذكروه، فهو ما رواه الأعمش، عن فضيل بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عروة: نهى أبو بكر، وعمر عن المتعة، فقال ابن عباس: أراكم مستهلكون، أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: قال أبو بكر وعمر، وقال عبد الرزاق: حدثنا معمر، عن أيوب قال: قال عروة لابن عباس: ألا تتقي الله ترخص في المتعة، فقال ابن عباس: سل أمك يا عرية، فقال عروة: أما أبو بكر وعمر فلم يفعلا. فقال ابن عباس: والله ما أراكم منتهين حتى يعذبكم الله أحدثكم عن رسول الله، وتحدثوننا عن أبي بكر وعمر، فقال عروة: لهما أعلم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأتبع لها منك ا ه. قالوا: فترى عروة أجاب ابن عباس بجواب أسكته به.
ولا شك أن الخلفاء الراشدين أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، كانوا أعلم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتبع لها لا يمكن ابن عباس أن ينكر ذلك.