أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٤ - الصفحة ٣١٧
في أحد من رواته بل هو تصحيح مطابق.
فإن قيل: متابعة حماد بن سلمة لسعيد بن أبي عروبة المذكورة راويها عن حماد، هو أبو قتادة عبد الله بن واقد الحراني، وهو متروك، لا يحتج بحديثه، كما جزم به غير واحد من العلماء بالرجال. وقال فيه ابن حجر في التقريب: متروك فقد تساهل الحاكم في قوله: إن هذه الطريق على شرط مسلم، مع أن في إسنادها أبا قتادة المذكور.
فالجواب: أن أبا قتادة المذكور، وإن ضعفه الأكثرون، فقد وثقه الإمام أحمد وأثنى عليه، وناهيك بتوثيق الإمام أحمد وثنائه، وذكر ابن حجر والذهبي: أن عبد الله بن أحمد قال لأبيه: إن يعقوب بن إسماعيل بن صبيح ذكر أن أبا قتادة المذكور كان يكذب، فمعظم ذلك عنده جدا، وأثنى عليه وقال: إنه يتحرى الصدق. قال: ولقد رأيته يشبه أصحاب الحديث. وقال أحمد في موضع آخر: ما به بأس، رجل صالح، يشبه أهل النسك ربما أخطأ. وفي إحدى الروايتين عن ابن معين أنه قال: أبو قتادة الحراني ثقة. ذكرها عنه ابن حجر والذهبي، وقول من قال: لعله كبر فاختلط تخمين وظن لا يثبت به اختلاطه، ومعلوم أن المقرر في الأصول وعلوم الحديث: أن الصحيح أن التعديل يقبل مجملا، والتجريح لا يقبل إلا مفصلا، مع أن رواية سعيد بن أبي عروبة، عن أنس ليس في أحد من رواتها كلام.
ومما يؤيد ذلك موافقة الحافظ النقادة الذهبي للحاكم على تصحيح متابعة حماد، مع أن حديث أنس الصحيح المذكور معتضد بمرسل الحسن، ولا سيما على قول من يقول: إن مراسيله صحاح، إذا روتها عنه الثقات كابن المديني وغيره، كما قدمناه.
ويؤيد ذلك أن مشهور مذهب مالك، وأبي حنيفة، وأحمد الاحتجاج بالمرسل كما قدمناه مرارا، ويؤيده أيضا: الأحاديث المتعددة التي ذكرنا، وإن كانت ضعافا لأنها تقوي غيرها، ولا سيما حديث ابن عباس، فإنا قد ذكرنا سنده، وبينا أنه لا يقل عن درجة الاحتجاج.
وقال الشوكاني في نيل الأوطار: ولا يخفى أن هذه الطرق يقوي بعضها بعضا، فتصلح للاحتجاج.
ومما يؤيد الحديث المذكور أن أكثر أهل العلم على العمل به، كما قدمنا عن أبي عيسى الترمذي أنه قال في حديث: الزاد والراحلة، والعمل عليه عند أهل العلم، وقد بينا أنه
(٣١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 312 313 314 315 316 317 318 319 320 321 322 ... » »»