أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٤ - الصفحة ٣١٨
قول لأكثرين منهم الأئمة الثلاثة: أبو حنيفة، والشافعي، وأحمد.
فالحاصل: أن حديث: الزاد والراحلة، لا يقل بمجموع طرقه عن درجة القبول والاحتجاج.
وأظهر قولي أهل العلم عندي أن المعتبر في ذلك ما يبلغه ذهابا وإيابا. قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: الذي يظهر لي والله تعالى أعلم: أن حديث: الزاد والراحلة وإن كان صالحا للاحتجاج لا يلزم منه أن القادر على المشي على رجليه بدون مشقة فادحة: لا يلزمه الحج، إن كان عاجزا عن تحصيل الراحلة بل يلزمه الحج لأنه يستطيع إليه سبيلا، كما أن صاحب الصنعة التي يحصل منها قوته في سفر الحج، يجب عليه الحج، لأن قدرته على تحصيل الزاد في طريقه كتحصيله بالفعل.
فإن قيل: كيف قلتم بوجوبه على القادر على المشي على رجليه، دون الراحلة مع اعترافكم بقبول تفسير النبي صلى الله عليه وسلم السبيل: بالزاد، والراحلة وذلك يدل على أن المشي على الرجلين ليس من السبيل المذكور في الآية.
فالجواب من وجهين:
الأول: أن الظاهر المتبادر أنه صلى الله عليه وسلم فسر الآية بأغلب حالات الاستطاعة، لأن الغالب أن أكثر الحجاج آفاقيون، قادمون من بلاد بعيدة، والغالب عجز الإنسان عن المشي على رجليه في المسافات الطويلة وعدم إمكان سفره بلا زاد، ففسر صلى الله عليه وسلم الآية بالأغلب، والقاعدة المقررة في الأصول: أن النص إذا كان جاريا على الأمر الغالب، لا يكون له مفهوم مخالفة، ولأجل هذا منع جماهير العلماء تزويج الرجل ربيبته التي لم تكن في حجره قائلين: إن قوله تعالى * (اللاتى فى حجوركم) * جرى على الغالب، فلا مفهوم مخالفة له كما قدمناه مرارا، وإذا كان أغلب حالات الاستطاعة: الزاد والراحلة، وجرى الحديث على ذلك فلا مفهوم مخالفة له فيجب الحج على القادر على المشي على رجليه، إما لعدم طول المسافة، وإما لقوة ذلك الشخص على المشي، وكذلك يجب على ذي الصنعة التي يحصل منها قوته في سفره، لأنه في حكم واجد الزاد في المعنى، والعلم عند الله تعالى.
الوجه الثاني: أن الله جل وعلا سوى في كتابه بين الحاج الراكب، والحاج الماشي على رجليه. وقدم الماشي على الراكب، وذلك في قوله تعالى * (وأذن فى الناس بالحج
(٣١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 313 314 315 316 317 318 319 320 321 322 323 ... » »»