والذين هاجروا فى الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم فى الدنيا حسنة) * ومنه قول عمرو بن معد يكرب الزبيدي:
* كم من أخ لي ماجد * بوأته بيدي لحدا * أي هيأته له، وأنزلته فيه، وبوأت له كقوله هنا * (وإذ بوأنا لإبراهيم) *، وبوأته فيه كقول الشاعر: وإذ بوأنا لإبراهيم) *، وبوأته فيه كقول الشاعر:
* وبوئت في صميم معشرها * وتم في قومها مبوؤها * أي نزلت من الكرم في صميم النسب، وتبوأت له منزلا كقوله تعالى * (وأوحينآ إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا) * وتبوأه كقوله * (وأورثنا الا رض نتبوأ من الجنة حيث نشآء) *. وقوله تعالى * (وكذالك مكنا ليوسف فى الا رض يتبوأ منها حيث يشآء) * وقوله تعالى * (والذين تبوءوا الدار والإيمان) *. وأصل التبوء. من المباءة: وهي منزل القوم في كل موضع، فقوله * (بوأنا لإبراهيم مكان البيت) * أي هيأناه له، وعرفناه إياه، ليبنيه بأمرنا على قواعده الأصلية المندرسة، حين أمرنا ببنائه، كما يهيأ المكان لمن يريد النزول فيه.
والمفسرون يقولون: بوأه له، وأراه إياه بسبب ريح تسمى الخجوج كنست ما فوق الأساس، حتى ظهر الأساس الأول الذي كان مندرسا، فبناه إبراهيم وإسماعيل عليه. وقيل: أرسل له مزنة فاستقرت فوقه، فكان ظلها على قدر مساحة البيت، فحفرا عن الأساس، فظهر لهما فبنياه عليه. وهم يقولون أيضا: إنه كان مندرسا من زمن طوفان نوح، وأن محله كان مربض غنم لرجل من جرهم، والله تعالى أعلم.
وغاية ما دل عليه القرآن: أن الله بوأ مكانه لإبراهيم، فهيأه له، وعرفه إياه ليبنيه في محله، وذهبت جماعة من أهل العلم إلى أن أول من بناه إبراهيم ولم يبن قبله. وظاهر قوله: حين ترك إسماعيل، وهاجر في مكة * (ربنآ إنى أسكنت من ذريتى بواد غير ذى زرع عند بيتك المحرم) * يدل على أنه كان مبنيا، واندرس، كما يدل عليه قوله هنا * (مكان البيت) * لأنه يدل على أن له مكانا سابقا، كان معروفا. والله أعلم.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: * (أن لا تشرك بى شيئا وطهر بيتى للطآئفين) * متعلق بمحذوف، وقد دلت على تقدير المحذوف المذكور آية البقرة وهي قوله تعالى * (وعهدنآ إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتى للطآئفين) * فدلت آية البقرة المذكورة على أن معنى آية الحج هذه * (وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت) * وعهدنا إليه: أي أوصيناه، أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين، وزادت آية