أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٤ - الصفحة ٢٦٤
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة * (ويهديه إلى عذاب السعير) * ويدل على أن الهدى كما أنه يستعمل في الإرشاد والدلالة على الخير، يستعمل أيضا في الدلالة على الشر، لأنه قال: * (ويهديه إلى عذاب السعير) * ونظير في ذلك القرآن قوله تعالى * (فاهدوهم إلى صراط الجحيم) * وقوله تعالى * (وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار) * لأن الإمام هو من يقتدى به في هديه وإرشاده.
وإطلاق الهدى في الضلال كما ذكرنا أسلوب عربي معروف وكلام البلاغيين في مثل ذلك، بأن فيه استعارة عنادية، وتقسيمهم العنادية إلى تهكمية وتمليحية، معروف كما أشار إليه سابقا وقوله تعالى * (كل شيطان مريد) * قد أوضحنا معنى الشيطان في سورة الحجر، والمريد والمارد في اللغة العربية: العاتي، تقول: مرد الرجل بالضم يمرد، فهو مارد، ومريد إذا كان عاتيا. والظاهر أن الشيطان في هذه الآية، يشمل كل عات يدعو إلى عذاب السعير، ويضل عن الهدى، سواء كان من شياطين الجن أو الإنس، والله تعالى أعلم.
* (ياأيها الناس إن كنتم فى ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر فى الا رحام ما نشآء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا وترى الا رض هامدة فإذآ أنزلنا عليها المآء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج * ذالك بأن الله هو الحق وأنه يحى الموتى وأنه على كل شىء قدير * وأن الساعة ءاتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من فى القبور * ومن الناس من يجادل فى الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير * ثانى عطفه ليضل عن سبيل الله له فى الدنيا خزى ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق) * قوله تعالى: * (ياأيها الناس إن كنتم فى ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر فى الا رحام ما نشآء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا) *. هذه الآية الكريمة والآيات التي بعدها، تدل على أن جدال الكفار المذكور في قوله * (ومن الناس من يجادل فى الله بغير علم) * يدخل فيه جدالهم في إنكار البعث، زاعمين أنه جل وعلا لا يقدر أن يحيي العظام الرميم، سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا، كما قال تعالى * (وضرب لنا مثلا ونسى خلقه قال من يحى العظام وهى رميم) * وكقوله تعالى عنهم * (وما نحن بمبعوثين) * * (وما نحن بمنشرين) * ونحو ذلك من الآيات كما قدمنا الإشارة إليه قريبا.
ولأجل ذلك أقام تعالى البراهين العظيمة على بعث الناس من قبورهم أحياء إلى عرصات القيامة للحساب، والجزاء فقال جل وعلا * (ياأيها الناس إن كنتم فى ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب) * فمن أوجدكم الإيجاد الأول، وخلقكم من التراب لا شك أنه قادر على إيجادكم، وخلقكم مرة ثانية، بعد أن بليت عظامكم،
(٢٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 259 260 261 262 263 264 265 266 267 268 269 ... » »»