أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٤ - الصفحة ٢٣٢
* (وإن من شىء إلا يسبح بحمده ولاكن لا تفقهون تسبيحهم) *، وقال تعالى: * (وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه المآء وإن منها لما يهبط من خشية الله) *، وقال تعالى: * (إنا عرضنا الا مانة على السماوات والا رض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها) *. وقد ثبت في صحيح البخاري: أن الجذع الذي كان يخطب عليه النبي صلى الله عليه وسلم لما انتقل عنه بالخطبة إلى المنبر سمع له حنين. وقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث. إني لأعرفه الآن) وأمثال هذا كثيرة. والقاعدة المقررة عند العلماء: أن نصوص الكتاب والسنة لا يجوز صرفها عن ظاهرها المتبادر منها إلا بدليل يجب الرجوع إليه. والتسبيح في اللغة: الإبعاد عن السوء، وفي اصطلاح الشرع: تنزيه الله جل وعلا عن كل ما لا يليق بكماله وجلاله.
وقال القرطبي في تفسير هذه الآية * (وسخرنا مع داوود الجبال) * أي جعلناها بحيث تطيعه إذا أمرها بالتسبيح والظاهر أن قوله * (وكنا فاعلين) * مؤكد لقوله: * (وسخرنا مع داوود الجبال يسبحن والطير) * والموجب لهذا التأكيد: أن تسخير الجبال وتسبيحها أمر عجب خارق العادة، مظنة لأن يكذب به الكفرة الجهلة.
وقال الزمخشري * (وكنا فاعلين) * أي قادرين على أن نفعل هذا. وقيل: كنا نفعل بالأنبياء مثل ذلك. وكلا القولين اللذين قال ظاهر السقوط. لأن تأويل * (وكنا فاعلين) * بمعنى كنا قادرين بعيد، ولا دليل عليه كما لا دليل على الآخر كما ترى.
وقال أبو حيان * (وكنا فاعلين) * أي فاعلين هذه الأعاجيب من تسخير الجبال وتسبيحهن، والطير لمن نخصه بكرامتنا ا ه، وأظهرها عندي هو ما تقدم، والعلم عند الله تعالى. وقوله تعالى: * (وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون) *. الضمير في قوله * (علمناه) * راجع إلى داود، والمراد بصيغة اللبوس: صنعة الدروع ونسجها. والدليل على أن المراد باللبوس في الآية الدروع: أنه أتبعه بقوله * (لتحصنكم من بأسكم) * أي لتحرز وتقي بعضكم من بأس بعض، لأن الدرع تقيه ضرر الضرب بالسيف، والرمي بالرمح والسهم، كما هو معروف. وقد أوضح
(٢٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 227 228 229 230 231 232 233 234 235 236 237 ... » »»