أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٤ - الصفحة ٢٣١
ما أفسدته البهائم بالليل على أربابها، وفي النهار على أهل الحوائط حفظها. ومشهور مذهب مالك وأحمد والشافعي أنه يضمن بقيمته كما تقدم. وأبو حنيفة يقول: لا ضمان مطلقا في جناية البهائم، ويستدل بالحديث الصحيح: (العجماء جبار) أي جرحها هدر. والجمهور يقولون: إن الحديث المذكور عام وضمان ما أفسدته ليلا مخصص له. وذهب داود ومن وافقه إلى أن ما أتلفته البهائم بغير علم مالكها ولو ليلا ضمان فيه، وأما إذا رعاها صاحبها باختياره في حرث غيره فهو ضامن بالمثل.
واعلم أن القائلين بلزوم قيمة ما أفسدته البهائم ليلا يقولون: يضمنه أصحابها ولو زاد على قيمتها. خلافا لليث القائل: لا يضمنون ما زاد على قيمتها. وفي المسألة تفاصيل مذكورة في كتب الفروع. وصيغة الجمع في الضمير في قوله * (لحكمهم) * الظاهر أنها مراد بها سليمان وداود وأصحاب الحرث وأصحاب الغنم، وأضاف الحكم إليهم لأن منهم حاكما ومحكوما له ومحكوما عليه.
وقوله: * (ففهمناها) * أي القضية أو الحكومة المفهومة من قوله: * (إذ يحكمان فى الحرث) * وقوله: * (وكلا ءاتينا) * أي أعطينا كلا من داود وسليمان حكما وعلما. والتنوين في قوله: * (وكلا) * عوض عن كلمة أي كل واحد منهما.
* (ففهمناها سليمان وكلا ءاتينا حكما وعلما وسخرنا مع داوود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين * وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون * ولسليمان الريح عاصفة تجرى بأمره إلى الا رض التى باركنا فيها وكنا بكل شىء عالمين * ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذالك وكنا لهم حافظين * وأيوب إذ نادى ربه أنى مسنى الضر وأنت أرحم الراحمين * فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وءاتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين * وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين * وأدخلناهم فى رحمتنا إنهم من الصالحين * وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى فى الظلمات أن لا إلاه إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين * فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذالك ننجى المؤمنين * وزكريآ إذ نادى ربه رب لا تذرنى فردا وأنت خير الوارثين * فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون فى الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين * والتى أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنهآ ءاية للعالمين * إن هاذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون * وتقطعوا أمرهم بينهم كل إلينا راجعون * فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون * وحرام على قرية أهلكناهآ أنهم لا يرجعون * حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون * واقترب الوعد الحق فإذا هى شاخصة أبصار الذين كفروا ياويلنا قد كنا فى غفلة من هاذا بل كنا ظالمين * إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون * لو كان هاؤلاء ءالهة ما وردوها وكل فيها خالدون * لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون * إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولائك عنها مبعدون * لا يسمعون حسيسها وهم فى ما اشتهت أنفسهم خالدون) * قوله تعالى: * (وسخرنا مع داوود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين) *. ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه سخر الجبال أي ذللها، وسخر الطير تسبح مع داود. وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة: من تسخيره الطير، والجبال تسبح مع نبيه داود بينه في غير هذا الموضع. كقوله تعالى: * (ولقد ءاتينا داوود منا فضلا ياجبال أوبى معه والطير وألنا له الحديد) *. وقوله: * (أوبى معه) * أي رجعي معه التسبيح. * (والطير) * أي ونادينا الطير بمثل ذلك من ترجيح التسبيح معه. وقوله من قال * (أوبى معه) *: أي سيري معه، وأن التأويب سير النهار ساقط كما ترى. وكقوله تعالى: * (واذكر عبدنا داوود ذا الا يد إنه أواب إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشى والإشراق والطير محشورة كل له أواب) *.
والتحقيق: أن تسبيح الجبال والطير مع داود المذكور تسبيح حقيقي. لأن الله جل وعلا يجعل لها إدراكات تسبح بها، يعلمها هو جل وعلا ونحن لا نعلمها. كما قال:
(٢٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 226 227 228 229 230 231 232 233 234 235 236 ... » »»