. فهذا يدل على أن المراد بالعجل هو العجلة التي هي خلاف التأني والتثبت. والعرب تقول: خلق من كذا. يعنون بذلك المبالغة في الإنصاف. كقولهم: خلق فلان من كرم، وخلقت فلانة من الجمال. ومن هذا المعنى قوله تعالى: * (الله الذى خلقكم من ضعف) * على الأظهر. ويوضح هذا المعنى قوله تعالى: * (ويدع الإنسان بالشر دعآءه بالخير وكان الإنسان عجولا) * أي ومن عجلته دعاؤه على نفسه أو ولده بالشر. قال بعض العلماء: كانوا يستعجلون عذاب الله وآياته الملجئة إلى العلم والاقرار، ويقولون متى هذا الوعد. فنزل قوله: * (خلق الإنسان من عجل) * للزجر عن ذلك. كأنه يقول لهم: ليس ببدع منكم أن تستعجلوا. فإنكم مجبولون على ذلك، وهو طبعكم وسجيتكم. ثم وعدهم بأنه سيريهم آياته، ونهاهم أن يستعجلوا بقوله: * (سأوريكم ءاياتى فلا تستعجلون) *. كما قال تعالى: * (سنريهم ءاياتنا فى الا فاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) *. وقال بعض أهل العلم: المراد بالإنسان في قوله: * (خلق الإنسان من عجل) * آدم. وعن سعيد بن جبير والسدي: لما دخل الروح في عيني آدم نظر في ثمار الجنة، فلما دخل جوفه اشتهى الطعام، فوثب من قبل أن تبلغ الروح رجليه عجلان إلى ثمار الجنة. فذلك قوله: * (خلق الإنسان من عجل) *. وعن مجاهد والكلبي وغيرهما: خلق آدم يوم الجمعة في آخر النهار، فلما أحيا الله رأسه استعجل وطلب تتميم نفخ الروح فيه قبل غروب الشمس. والظاهر أن هذه الأقوال ونحوها من الإسرائيليات. وأظهر الأقوال أن معنى الآية: أن جنس الإنسان من طبعه العجل وعدم التأني كما بينا، والعلم عند الله تعالى.
وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة: والحكمة في ذكر عجلة الإنسان ها هنا أنه لما ذكر المستهزئين بالرسول صلى الله عليه وسلم، وقع في النفوس سرعة الانتقام منهم، واستعجلت ذلك. فقال الله تعالى: * (خلق الإنسان من عجل) * لأنه تعالى يملي الظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، يؤجل ثم يعجل، وينظر ثم لا يؤخر. ولهذا قال: * (سأوريكم ءاياتى) * أي نقمي وحكمي، واقتداري على من عصاني فلا تستعجلون. انتهى منه.
* (لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون * بل تأتيهم بغتة فتبهتهم فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون * ولقد استهزىء برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزءون * قل من يكلؤكم باليل والنهار من الرحمان بل هم عن ذكر ربهم معرضون * أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا لا يستطيعون نصر أنفسهم ولا هم منا يصحبون * بل متعنا هاؤلاء وءابآءهم حتى طال عليهم العمر أفلا يرون أنا نأتى الا رض ننقصها من أطرافهآ أفهم الغالبون * قل إنمآ أنذركم بالوحى ولا يسمع الصم الدعآء إذا ما ينذرون * ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك ليقولن ياويلنآ إنا كنا ظالمين * ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين * ولقد ءاتينا موسى وهارون الفرقان وضيآء وذكرا للمتقين * الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون * وهاذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون) * قوله تعالى: * (لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون) *. جواب (لو) في هذه الآية محذوف، وقد قدمنا أدلة ذلك وشواهده من (العربية)