أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٣ - الصفحة ٣٧٠
الأول أنه خبر مبتدأ محذوف، وتقديره، الأمر كذلك، ولا محالة أن تلد الغلام المذكور. وقيل، الأمر كذلك أنت كبير في السن، وامرأتك عاقر. وعلى هذا فقوله * (قال ربك) * ابتداء كلام:
الوجه الثاني أن (كذلك) في محل نصب ب (قال) وعليه فالإشارة بقوله (ذلك) إلى مبهم يفسره قوله: * (هو على هين) * ونظيره على هذا القول قوله تعالى: * (وقضينآ إليه ذلك الا مر أن دابر هاؤلآء مقطوع مصبحين) *. وغير هذين من أوجه إعرابه تركناه لعدم وضوحه عندنا. وقوله * (هو على هين) * أي يسير سهل.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: * (وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا) * أي ومن خلقك ولم تك شيئا فهو قادر على أن يرزقك الولد المذكور كما لا يخفى. وهذا الذي قاله هنا لزكريا: من أنه خلقه ولم يك شيئا أشار إليه بالنسبة إلى الإنسان في مواضع أخر. كقوله: * (أولا يذكر إلإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا) *، وقوله تعالى: * (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا) *.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة * (ولم تك شيئا) * دليل على أن المعدوم ليس بشيء. ونظيره قوله تعالى: * (حتى إذا جآءه لم يجده شيئا) *، وهذا هو الصواب. خلافا للمعتزلة القائلين: إن المعدوم الممكن وجوده شيء، مستدلين لذلك بقوله تعالى: * (إنمآ أمره إذآ أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) * قالوا: قد سماه الله شيئا قبل أن يقول له كن فيكون، وهو يدل على أنه شيء قبل وجوده. ولأجل هذا قال الزمخشري في تفسير هذه الآية: لأن المعدوم ليس بشيء. أوليس شيئا يعتد به. كقولهم: عجبت من لا شيء. وقول الشاعر: إنمآ أمره إذآ أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) * قالوا: قد سماه الله شيئا قبل أن يقول له كن فيكون، وهو يدل على أنه شيء قبل وجوده. ولأجل هذا قال الزمخشري في تفسير هذه الآية: لأن المعدوم ليس بشيء. أوليس شيئا يعتد به. كقولهم: عجبت من لا شيء. وقول الشاعر:
* وضاقت الأرض حتى كان هاربهم * إذا رأى غير شيء ظنه رجلا * لأن مراده بقوله: غير شيء، أي إذا رأى شيئا تافها لا يعتد به كأنه لا شيء لحقارته ظنه رجلا، لأن غير شيء بالكلية لا يصح وقوع الرؤية عليه. والتحقيق هو ما دلت عليه هذه الآية وأمثالها في القرآن: من أن المعدوم ليس بشيء؟ والجواب عن استدلالهم بالآية: أن ذلك المعدوم لما تعلقت الإرادة بإيجاده، صار تحقق وقوعه كوقوعه بالفعل، كقوله * (أتى أمر الله فلا تستعجلوه) *، وقوله: * (ونفخ فى الصور) *، وقوله: * (وأشرقت الا رض بنور ربها ووضع الكتاب وجىء بالنبيين) *
(٣٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 365 366 367 368 369 370 371 372 373 374 375 ... » »»