أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٣ - الصفحة ٣٦٤
الخبيث، فيما يدور على ألسنة الناس من الحديث): رواه أحمد أبو داود والترمذي وآخرون عن أبي الدرداء مرفوعا بزيادة (إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، وإنما ورثوا العلم) وصححه ابن حبان والحاكم وغيرهما انتهى منه بلفظه. وقال صاحب (كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس): (العلماء ورثة الأنبياء) رواه أحمد والأربعة وآخرون عن أبي الدرداء مرفوعا بزيادة (إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم..) الحديث، وصححه ابن حبان والحاكم وغيرهما، وحسنه حمزة الكناني وضعفه غيرهم لاضطراب سنده لكن له شواهد. ولذا قال الحافظ: له طرق يعرف بها أن الحديث أصلا، ورواه الديلمي عن البراء بن عازب بلفظ الترجمة ا ه محل الغرض منه. والظاهر صلاحية هذا الحديث للاحتجاج لاعتضاد بعض طرقه ببعض. فإذا علمت ما ذكرنا من دلالة هذه الأدلة على أن الوراثة المذكورة في الآية وراثة علم ودين لا وراثة مال فاعلم أن للعلماء في ذلك ثلاثة أقوال: الأول هو ما ذكرنا. والثاني أنها وراثة مال، والثالث: أنها وبالنسبة لآل يعقوب في قوله (ويرث من آل يعقوب) وراثة علم ودين. وهذا اختيار ابن جرير الطبري. وقد ذكر من قال: إن وراثته لزكريا وراثة مال حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أنه قال: (رحم الله زكريا ما كان عليه من ورثته) أي ما يضره إرث ورثته لماله. ومعلوم أن هذا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم. والأرجح فيما يظهر لنا هو ما ذكرنا من أنها وراثة علم ودين؛ للأدلة التي ذكرنا وغيرها مما يدل على ذلك. وقد ذكر ابن كثير في تفسيره هنا ما يؤيد ذلك من أوجه. قال رحمه الله في تفسير قوله تعالى: * (وإني خفت الموالى من ورآئى) * وجه خوفه أنه خشي أن يتصرفوا من بعده في الناس تصرفا سيئا فسأل الله ولدا يكون نبيا من بعده؛ ليسوسهم بنبوته بما يوحى إليه فأجيب في ذلك؛ لا أنه خشي من وراثتهم له ماله؛ فإن النبي أعظم منزلة، وأجل قدرا من أن يشفق على ماله إلى ما هذا حده، وأن يأنف من وراثة عصباته له، ويسأل أن يكون له ولد ليحوز ميراثه دونهم وهذا وجه.
الثاني أنه لم يذكر أنه كان ذا مال؛ بل كان نجارا يأكل من كسب يديه. ومثل هذا لا يجمع مالا، ولا سيما الأنبياء، فإنهم كانوا أزهد شيء في الدنيا.
الثالث أنه قد ثبت في الصحيحين من غير وجه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا نورث ما تركنا صدقة) وفي رواية عند الترمذي بإسناد صحيح (نحن معشر الأنبياء لا نورث) وعلى هذا فتعين حمل قوله * (فهب لى من لدنك وليا يرثنى) *
(٣٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 359 360 361 362 363 364 365 366 367 368 369 ... » »»