أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٢ - الصفحة ٤٢٢
فإن قيل: ما وجه الجمع بين نفي اعتذارهم المذكور هنا، وبين ما جاء في القرآن من اعتذارهم. كقوله تعالى عنهم: * (والله ربنا ما كنا مشركين) *، وقوله: * (ما كنا نعمل من سوء) *، وقوله: * (بل لم نكن ندعوا من قبل شيئا) *، ونحو ذلك من الآيات.
فالجواب من أوجه:
منها أنهم يتعذرون حتى إذا قيل لهم: أخسؤوا فيها ولا تكلمون، انقطع نطقهم ولم يبق إلا الزفير والشهيق. كما قال تعالى: * (ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون) *.
ومنها أن نفي اعتذارهم يراد به اعتذار فيه فائدة. أما الاعتذار الذي لا فائدة فيه فهو كالعدم، يصدق عليه في لغة العرب: أنه ليس بشيء، ولذا صرح تعالى بأن المنافقين بكم في قوله: * (صم بكم) * مع قوله عنهم: * (وإن يقولوا تسمع لقولهم) * أي لفصاحتهم وحلاوة ألسنتهم. وقال عنهم أيضا: * (فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد) * فهذا الذي ذكره جل وعلا من فصاحتهم وحدة ألسنتهم، مع تصريحه بأنهم بكم يدل على أن الكلام الذي لا فائدة فيه كلا شيء، كما هو واضح. وقال هبيرة بن أبي وهب المخزومي: فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد) * فهذا الذي ذكره جل وعلا من فصاحتهم وحدة ألسنتهم، مع تصريحه بأنهم بكم يدل على أن الكلام الذي لا فائدة فيه كلا شيء، كما هو واضح. وقال هبيرة بن أبي وهب المخزومي:
* وإن كلام المرء في غير كنهه * لكالنبل تهوي ليس فيها نصالها * وقد بينا هذا في كتابنا (دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب) في مواضع منه. والترتيب ب (ثم) في قوله في هذه الآية الكريمة: * (ثم لا يؤذن للذين كفروا) * على قوله: * (ويوم نبعث من كل أمة شهيدا) * لأجل الدلالة على أن ابتلاءهم بالمنع من الاعتذار المشعر بالإقناط الكلي أشد من ابتلائهم بشهادة الأنبياء عليهم بكفرهم. قوله تعالى: * (ولا هم يستعتبون) *. اعلم أولا أن استعتب تستعمل في اللغة بمعنى طلب العتبى. أي الرجوع إلى ما يرضي العاتب ويسره. وتستعمل أيضا في اللغة بمعنى أعتب: إذا أعطى العتبى. أي رجع إلى ما يحب العاتب ويرضى، فإذا علمت ذلك فاعلم أن في قوله: * (ولا هم يستعتبون) * وجهين من التفسير متقاربي المعنى.
(٤٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 417 418 419 420 421 422 423 424 425 426 427 ... » »»