أضواء البيان - الشنقيطي - ج ١ - الصفحة ٥١٨
علمت أن آل محمد صلى الله عليه وسلم لا يأكلون الصدقة اه.
فهذا الحديث الصحيح نص صريح في أنه صلى الله عليه وسلم كان يأخذ صدقة النخل تمرا بعد الجذاذ وقد تقرر في الأصول أن صيغة المضارع بعد لفظة كان في نحو كان يفعل كذا: تدل على كثرة التكرار والمداومة على ذلك الفعل فقول أبي هريرة في هذا الحديث المرفوع الصحيح: كان صلى الله عليه وسلم: يؤتى بالتمر عند صرام النخل.
الحديث يدل دلالة واضحة على أن إخراج التمر عند الجذاذ هو الذي كان يفعل دائما في زمنه صلى الله عليه وسلم وهو الذي يأخذ في الزكاة ذلك التمر اليابس فمن ادعى جواز إخراج زكاة النخل رطبا أو بلحا فهو مخالف لما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن حجر في فتح الباري في شرح هذا الحديث المذكور آنفا ما نصه قال الإسماعيلي: قوله عند صرام النخل. أي بعد أن يصير تمرا لأن النخل قد يصرم وهو رطب فيتمر في المربد ولكن ذلك لا يتطاول فحسن أن ينسب إلى الصرام كما في قوله تعالى: * (وآتوا حقه يوم حصاده) * فإن المراد بعد أن يداس وينقى والله تعالى أعلم اه. منه بلفظه وهو واضح فيما ذكرنا. وبما ذكرنا تعلم أن ما يدعيه بعض أهل العلم من المتأخرين من جواز إخراج زكاة النخل رطبا وبسرا غير صحيح ولا وجه له ولا دليل عليه وأما إن كان التمر لا ييبس كبلح مصر وعنبها فقد قدمنا عن مالك وأصحابه أن الزكاة تخرج من ثمنه إن بيع أو قيمته إن أكل لا من نفس الرطب أو العنب.
وقد قدمنا عن ابن رشد قولا مرجوحا بإجزاء الرطب والعنب في خصوص ما لا ييبس. ومذهب الشافعي رحمه الله في زكاة ما لا ييبس: أنه على القول بأن القسمة تمييز حق لا بيع فيجوز القسم ويجعل العشر أو نصفه متميزا في نخلات ثم ينظر المصدق: فإن رأى أن يفرق عليهم فعل وإن رأى البيع وقسمة الثمن فعل وأما على القول بأن القسمة بيع فلا تجوز في الرطب والعنب ويقبض المصدق عشرها مشاعا بالتخلية بينه وبينها ويستقر عليه ملك المساكين ثم يبيعه ويأخذ ثمنه ويفرقه عليهم وهكذا الحكم عنده فيما إذا احتيج إلى قطع الثمرة رطبا خوفا عليها من العطش ونحوه.
وحكم هذه المسألة في المذهب الحنبلي فيه قولان.
أحدهما: أنه يخير الساعي بين أن يقاسم رب المال الثمرة قبل الجذاذ بالخرص
(٥١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 513 514 515 516 517 518 519 520 521 522 523 ... » »»