ومسح الله ما بك أي غسل عنك الذنوب والأذى. ولا مانع من كون المراد بالمسح في الأرجل هو الغسل والمراد به في الرأس المسح الذي ليس بغسل وليس من حمل المشترك على معنييه ولا عن حمل اللفظ على حقيقته ومجازه لأنهما مسألتان كل منهما منفردة عن الأخرى مع أن التحقيق جواز حمل المشترك على معنييه كما حققه الشيخ تقي الدين أبو العباس بن تيمية في رسالته في علوم القرآن وحرر أنه هو الصحيح في مذاهب الأئمة الأربعة رحمهم الله وجمع بن جرير الطبري في تفسيره بين قراءة النصب والجر بأن قراءة النصب يراد بها غسل الرجلين لأن العطف فيها على الوجوه والأيدي إلى المرافق وهما من المغسولات بلا نزاع وأن قراءة الخفض يراد بها المسح مع الغسل يعني الدلك باليد أو غيرها.
والظاهر أن حكمة هذا في الرجلين دون غيرهما. أن الرجلين هما أقرب أعضاء الإنسان إلى ملابسة الأقذار لمباشرتهما الأرض فناسب ذلك أن يجمع لهما بين الغسل بالماء والمسح أي الدلك باليد ليكون ذلك أبلغ في التنظيف.
وقال بعض العلماء: المراد بقراءة الجر: المسح ولكن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن ذلك المسح لا يكون إلا على الخف.
وعليه فالآية تشير إلى المسح على الخف في قراءة الخفض والمسح على الخفين إذا لبسهما طاهرا متواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخالف فيه إلا من لا عبرة به والقول بنسخه بآية المائدة يبطل بحديث جرير أنه بال ثم توضأ ومسح على خفيه فقيل له: تفعل هكذا؟ قال: نعم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال ثم توضأ ومسح على خفيه قال إبراهيم: فكان يعجبهم هذا الحديث لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة متفق عليه.
ويوضح عدم النسخ أن آية المائدة نزلت في غزوة المريسيع.
ولا شك أن إسلام جرير بعد ذلك مع أن المغيرة بن شعبة روى المسح على الخفين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهي آخر مغازيه صلى الله عليه وسلم.
وممن صرح بنزول آية المائدة في غزوة المريسيع ابن حجر في (فتح الباري) وأشار له البدوي الشنقيطي في (نظم المغازي) بقوله في غزوة المريسيع: الرجز:
* والإفك في قفولهم ونقلا * أن التيمم بها قد أنزلا *