قال القرطبي في تفسير هذه الآية الكريمة في ذكر شرائط الإمام. الأول: أن يكون من صميم قريش لقوله صلى الله عليه وسلم: الأئمة من قريش وقد اختلف في هذا.
قال مقيده عفا الله عنه: الاختلاف الذي ذكره القرطبي في اشتراط كون الإمام الأعظم قرشيا ضعيف. وقد دلت الأحاديث الصحيحة على تقديم قريش في الإمامة على غيرهم. وأطبق عليه جماهير العلماء من المسلمين.
وحكى غير واحد عليه الإجماع ودعوى الإجماع تحتاج إلى تأويل ما أخرجه الإمام أحمد عن عمر بسند رجاله ثقات أنه قال: إن أدركني أجلي وأبو عبيدة حي استخلفته. فذكر الحديث وفيه: فإن أدركني أجلى وقد مات أبو عبيدة استخلفت معاذ بن جبل.
ومعلوم أن معاذا غير قرشي وتأويله بدعوى انعقاد الإجماع بعد عمر أو تغيير رأيه إلى موافقة الجمهور. فاشتراط كونه قرشيا هو الحق ولكن النصوص الشرعية دلت على أن ذلك التقديم الواجب لهم في الإمامة مشروط بإقامتهم الدين وإطاعتهم لله ورسوله فإن خالفوا أمر الله فغيرهم ممن يطيع الله تعالى وينفذ أوامره أولى منهم.
فمن الأدلة الدالة على ذلك ما رواه البخاري في (صحيحه) عن معاوية حيث قال: باب الأمراء من قريش. حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال: كان محمد بن جبير بن مطعم يحدث أنه بلغ معاوية وهو عنده في وفد من قريش: أن عبد الله بن عمرو يحدث أنه سيكون ملك قحطان فغضب فقام فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: أما بعد: فإنه قد بلغني أن رجالا منكم يحدثون أحاديث ليست في كتاب الله ولا تؤثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولئك جهالكم فإياكم والأماني التي تضل أهلها. فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين. انتهى من صحيح البخاري بلفظه ومحل الشاهد منه قوله صلى الله عليه وسلم: ما أقاموا الدين لأن لفظة ما فيه مصدرية ظرفية مقيدة لقوله: إن هذا الأمر في قريش؛ وتقرير المعنى إن هذا الأمر في قريش مدة إقامتهم الدين ومفهومه: أنهم إن لم يقيموه لم يكن فيهم. وهذا هو التحقيق الذي لا شك فيه في معنى الحديث