تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣٠ - الصفحة ٥٧
لهواها وتنكير النفس المفيد لثبوت العلم لفرد من النفوس أو لبعض منها للإيذان بأن ثبوته لجميع أفرادها قاطبة من الظهور والوضوح بحيث لا يكاد يحوم حوله شائبة قطعا يعرفه كل أحد ولو جىء بعبارة تدل على خلافه وللرمز إلى أن تلك النفوس العالمة بما ذكر مع توفر أفرادها وتكثر أعدادها مما تستقل بالنسبة إلى جناب الكبرياء والعظمة الذي أشير إلى بعض بدائع شؤونه المنبئة عن عظم سلطانه عز وجل وفي " الكشاف " إن هذا من عكس كلامهم الذي يقصدون فيه الإفراط فيما يعكس عنه ومنه قوله تعالى: * (ربما يود الذين كفروا لو كانو مسلمين) * ومعناه كم وأبلغ وقول القائل: قد أترك القرم مصفرا أنامله * كان أثوابه مجت بفرصاد وتقول لبعض قواد العساكر كم عندك من الفرسان فيقول رب فارس عندي أولا تعدم عندي فارسا وعنده المقانب وقصده بذلك التمادي في تكثير فرسانه ولكنه أراد إظهار براءته من التزيد وأنه ممن يقلل كثير ما عنده فضلا أن يتزيد فجاء بلفظ التقليل ففهم منه معنى الكثرة على الصحة واليقين وبين بالكشف أنه يفيد ذلك مع ما في خصوص كل موقع من فائدة خاصة وذكر أن من الفوائد ههنا تهويل اليوم بتقليل الأنفس العالمة وإن كن جميعها وإظهار أنه كلام من غاية العظمة والكبرياء وأن من يغير هذه الأجرام العظام ويبدلها صفات وذوات تستقل الأنفس الإنسانية في جنب قدرته سبحانه أيما استقلال وتعقب ذلك أبو السعود بما لا يخلو عن نظر كما لا يخفى على ذي نظر جليل فضلا عن ذي نظر دقيق وجوز أن يكون ذلك للإشعار بأنه إذا علمت حينئذ نفس من النفوس ما أحضرت وجب على كل نفس إصلاح عملها مخافة أن تكون هي تلك التي عملت ما أحضرت فكيف وكل نفس تعلمه على طريقة قولك لمن تنصحه لعلك ستندم ما فعلت وربما ندم الإنسان على ما فعل فإنك لا تقصد بذلك أن ندمه مرجو الوجود لا متيقن به أو نادر الوجود بل تريد أن العاقل يجب عليه أن يجتنب أمرا يرجى منه الندم أو قل ما يقع فيه فكيف إذا كان قطعي الوجود كثير الوقوع واشتهر أن النكرة هنا في معنى العموم وهي قد تعم في الإثبات إذا اقتضى المقام أو نحوه ذلك ومنه قول ابن عمر لبعض أهل الشام وقد سأله عن المحرم إذا قتل جرادة أيتصدق بتمرة فدية لها تمرة خير من جرادة قيل ولهذا العموم ساغ الابتداء بالنكرة فيه وقول بعض أنه لا عموم فيها بل العموم جاء من تساوي نسبة الجزء إلى أفراد الجنس قيل مبني على ظن منافاة العموم للوحدة والإفراد وأنت تعلم أن ذلك إنما ينافي العموم الشمولي دون البدلي وقال بعض لا يبعد أن يقال استفيد العموم بجعلها في حيز النفي معنى لأن علمت نفس في معنى لم تجهل نفس لأن الحكم بالشيء يستلزم نفي ضده ليس بشيء وإلا لعمت كل نكرة في الإثبات بنحو هذا التأويل وعن عبد الله بن مسعود أن قارئا قرأ هذه السورة عنده فلما بلغ علمت نفس ما أحضرت قال وانقطاع ظهرياه.
* (فلا أقسم بالخنس) * * (فلا أقسم بالخنس) * جمع خانس من الخنوس وهو الانقباض والاستخفاء.
* (الجوار الكنس) * * (الجواري) * جمع جارية من الجري وهو المر السريع وأصله لمر الماء ولما يجري بجريه * (الكنس) * جمع كانس وكانسة من كنس الوحش إذا دخل كناسه وهو بيته الذي يتخذه من أغصان الشجر والمراد بها على ما أخرج الفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والحاكم وصححه من طرق عن علي كرم الله تعالى وجهه الكواكب أي جميعها فقيل لأنها تخنس بالنهار فتغيب عن العيون وتكنس بالليل أي تطلع في أماكنها كالوحش في كنسها وفي تفسير تكنس بتطلع خفاء وقيل لأنها تخنس نهارا وتخفى عن العيون مع طلوعها وكونها فوق الأفق وتكنس بعد طلوعها في المغيب وتدخل فيه كما تكنس الطباء في الكنس فتكون تحت الأفق بعد إن كانت فوقه وروي تفسيرها
(٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 ... » »»