الله تعالى عليها له ستمائة جناح * (بالأفق المبين) * وهو الأفق الأعلى من ناحية المشرق كما روى عن الحسن وقتادة ومجاهد وسفيان وفي رواية عن مجاهد أنه صلى الله عليه وسلم رآه عليه السلام نحو جياد وهو مشرق مكة وقيل إن المراد به مطلع رأس السرطان فإنه أعلى المطالع لأهل مكة وهذه الرؤية كانت فيها بعد أمر غار حراء. وخكى ابن شجرة أنه أفق السماء الغربي وليس بشيء. وأخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس أنه قال في الآية رآه في صورته عند سدرة المنتهى والأفق على هذا قيل بمعنى الناحية وقيل سمي ذلك أفقا مجازا.
* (وما هو على الغيب بضنين) * * (وما هو) * أي رسول الله صلى الله عليه وسلم * (على الغيب) * على ما يخبر به من الوحي إليه وغيره من الغيوب * (بضنين) * من الضن بكسر الضاد وفتحها بمعنى البخل أي ببخيل لا يبخل بالوحي ولا يقصر في التبليغ والتعليم ومنح كل ما هو مستعد له من العلوم على خلاف الكهنة فإنهم لا يطلعون على ما يزعمون معرفته إلا بإعطاء حلوان وقرأ ابن مسعود وابن عباس وزيد بن ثابت وابن عمر وابن الزبير وعائشة وعمر بن عبد العزيز وابن جبير وعروة وهشام بن جندب ومجاهد وغيرهم ومن السبعة النحويان وابن كثير بظنين بالظاء أي بمتهم من الظنة بالكسر بمعنى التهمة وهو نظير الوصف السابق بامين. وقيل معناه بضعيف القوة على تبليغ الوحي من قولهم بئر ظنون إذا كانت قليلة الماء والأول أشهر ورجحت هذه القراءة عليها بأنها أنسب بالمقام لاتهام الكفرة له صلى الله عليه وسلم ونفي التهمة أولى من نفي البخل وبأن التهمة تتعدى بعلى دون البخل فإنه لا يتعدى بها إلا باعتبار تضمينه معنى الحرص ونحوه لكن قال الطبري بالضاد خطوط المصاحف كلها ولعله أراد المصاحف المتداولة فإنهم قالوا بالظاء خط مصحف ابن مسعود ثم أن هذا لا ينافي قول أبي عبيدة أن الظاهر والضاد في الخط القديم لا يختلفان إلا بزيادة رأس إحداهما على الأخرى زيادة يسير قد تشتبه كما لا يخفى والفرق بين الضاد والظاء مخرجا أن الضاد مخرجها من أصل حافة اللسان وما يليها من الأضراس من يمين اللسان أو يساره ومنهم من يتمكن من إخراجها منهما والظاء مخرجها من طرف اللسان وأصول الثنايا العليا واختلفوا في إبدال إحداهما بالأخرى هل يمتنع وتفسد به الصلاة أم لا فقيل تفسد قياسا ونقله في المحيط البرهاني عن عامة المشايخ ونقله في الخلاصة عن أبي حنيفة ومحمد وقيل لا استحسانا ونقله فيها عن عامة المشايخ كأبي مطيع البلخي ومحمد بن سلمة وقال جمع أنه إذا أمكن الفرق بينهما لتعمد ذلك وكان مما لم يقرأ به كما هنا وغير المعنى فسدت صلاته وإلا فلا لعسر التمييز بينهما خصوصا على العجم وقد أسلم كثير منهم في الصدر الأول ولم ينقل حثهم على الفرق وتعليمه من الصحابة ولو كان لازما لفعلوه ونقل وهذا هو الذي ينبغي أن يعول عليه ويفتي به وقد جمع بعضهم الألفاظ التي لا يختلف معناها ضادا وظاء في رسالة صغيرة ولقد أحسن بذلك فليراجع فإنه مهم.
* (وما هو بقول شيطان رجيم) * * (وما هو) * أي القرآن * (بقول شيطان رجيم) * أي بقول بعض المسترقة للمسع لأنها هي التي ترجم وهو نفي لقولهم أنه كهانة.
* (فأين تذهبون) * * (فأين تذهبون) * استضلال لهم فيما يسلكونه في أمر القرآن العظيم كقولك تارك الجادة الذاهب في بنيات الطريق أين تذهب والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها من ظهور أنه وحي.
* (إن هو إلا ذكر للعالمين) * * (إن هو) * أي ما هو * (إلا ذكر للعالمين) * موعظة وتذكير عظيم لمن يعلم وضمير هو للقرآن أيضا وجوز كون الضميرين للرسول عليه الصلاة والسلام أي وما هو ملتبس بقول شيطان رجيم كما هو شأن الكهنة إن هو إلا * (مذكر للعالمين) * وقوله تعالى: * (فأين) * الخ استضلال لهم فيما يسلكونه في أمره صلى الله عليه وسلم وهو كما ترى وقوله سبحانه:
* (لمن شآء منكم أن يستقيم) * * (لمن شاء منكم) * بدل من العالمين بدل بعض من كل والبدل هو المجرور وأعيد معه العامل على