تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣٠ - الصفحة ٢٧٣
وربوبيته فلا معبود ولا رب سواه عز وجل واختار بعد وصفه تعالى بما ورد له سبحانه من الصفات أن المراد الواحدية الكاملة وذلك على الوحهين كون الضمير للشأن وكونه للمسؤول عنه ولا يصح أن يراد الواحد بالعدد أصلا إذ يخلو الكلام عليه من الفائدة وذكر بعضهم أن الاسم الجليل يدل على جميع صفات الكمال وهي الصفات الثبوتية ويقال لها صفات الإكرام أيضا والأحد يدل على جميع صفات الجلال وهي الصفات السلبية ويتضمن الكلام على كونهما خبرين الأخبار بكون المسؤول عنه متصفا بجميع الصفات الجلالية والكمالية وتعقب بأن الإلهية جامعة لجميع ذلك بل كل واحد من الأسماء الحسنى كذلك لأن الهوية الإلهية لا يمكن التعبير عنها لجلالتها وعظمتها إلا بأنه هو هو وشرح تلك الهوية بلوازم منها ثبوتية ومنها سلبية واسم الله تعالى متناول لهما جميعا فهو إشارة إلى هويته تعالى والله سبحانه كالتعريف لها فلذا عقب به وكلام الرئيس ينادي بذلك وسنشير إليه إن شاء الله تعالى وقرأ عبد الله وأبي هو الله أحد بغير قل وقد اتفقوا على أنه لا بد منها في * (قل يا أيها الكافرون) * ولا تجوز في تبت فقيل لعل ذلك لأن سورة الكافرين مشاقة الرسول صلى الله عليه وسلم أو موادعته عليه الصلاة والسلام لهم ومثل ذلك يناسب أن يكون من الله تعالى لأنه صلى الله عليه وسلم مأمور بالإنذار والجهاد وسورة تبت معاتبة لأبي لهب والنبي عليه الصلاة والسلام على خلق عظيم وأديب جسيم فلو أمر بذلك لزم مواجهته به وهو عمه صلى الله عليه وسلم وهذه السورة توحيد وهو يناسب أن يقول به تارة ويؤمر بأن يدعو إليه أخرى وقيل في وجه قل في سورة الكافرون أن فيها ما لا يصح أن يكون من الله تعالى كلا أعبد ما تعبدون فلا بد فيها من ذكر قل وفيه نظر لأنه لا يلزم ذكره بهذا اللفظ فافهم وقال الدواني في وجه ترك قل في تبت لا يبعد أن يقال أن القول بمعاتبة أبي لهب إذا كان من الله تعالى كان أدخل في زجره وتفضيحه وقيل فيه رمز إلى أنه لكونه على العلات عمه صلى الله عليه وسلم لا ينبغي أن يهينه بمثل هذا الكلام إلا الذي خلقه إذ لا يبعد أن يتأذى مسلم من أقاربه لو سبه أحد غيره عز وجل فقد أخرج ابن أبي الدنيا وابن عساكر عن جعفر بن محمد عن أبيه رضي الله تعالى عنهما قال مرت درة ابنة أبي لهب برجل فقال هذه ابنة عدو الله أبي لهب فأقبلت عليه فقالت ذكر الله تعالى أبي بنباهته وشرفه وترك أباك بجهالته ثم ذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فخطب فقال لا يؤذين مسلم بكافر ثم إن إثبات قل على قراءة الجمهور في المصحف والتزام قراءتها في هذه السورة ونظائرها مع أنه ليس من دأب المأمور بقل إن يتلفظ في مقام الائتمار إلا بالمقول قال الماتريدي في التأويلات لأن المأمور ليس المخاطب به فقط بل كل أحد ابتلى بما ابتلى به المأمور فأثبت ليبقى على مر الدهور منا على العباد وقيل يمكن أن يقال المخاطب بقل نفس التالي كأنه تعالى أعلم به أن كل أحد عند مقام هذا المضمون ينبغي أن يأمر نفسه بالقول به وعدم التجاوز عنه فتأمل والله تعالى الموفق وقوله تعالى:
* (الله الصمد) * * (الله الصمد) * مبتدأ وخبر وقيل الصمت نعت والخبر ما بعده وليس بشيء. والصمد قال ابن الأنباري لا خلاف بين أهل اللغة أنه السيد الذي ليس فوقه أحد الذي يصمد إليه الناس في حوائجهم وأمورهم وقال الزجاج هو الذي ينتهي إليه السودد ويصمد إليه أي يقصد كل شيء وأنشدوا: لقد بكر الناعي بخير بني أسد * بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد وقوله: علوته بحسام ثم قلت له * خذها خزيت فأنت السيد الصمد وعن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أنه قال هو السيد الذي قد كمل في سودده والشريف الذي قد كمل في شرفه والعظيم
(٢٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 ... » »»