تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣٠ - الصفحة ٢٣٣
قوله سبحانه لينبذن في الحطمة الخ.
* (ألم تر كيف فعل ربك بأصح‍ابالفيل) * * (ألم تر كيف فعل ربك بإصحاب الفيل) * الظاهر أن الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم والهمزة لتقرير رؤيته عليه الصلاة والسلام بإنكار عدمها وهي بصرية تجوز بها عن العلم على سبيل الاستعارة التبعية أو المجاز المرسل لأنها سببية ويجوز جعلها علمية من أول الأمر إلا أن ذاك أبلغ وعلمه صلى الله عليه وسلم بذلك لما أنه سمعه متواترا وكيف في محل نصب على المصدرية بفعل والمعنى أي فعل فعل وقيل على الحالية من الفاعل والكيفية حقيقة للفعل لا بألم تر لمكان الاستفهام والجملة سادة مسد المفعولين لتر وجوز بعضهم نصب كيف بتر لانسلاخ معنى الاستفهام عنه كما في " شرح المفتاح " الشريفي وصرح أبو حيان بامتناعه لأنه يراعي صدارته إبقاء لحكم أصله وتعليق الرؤية بكيفية فعله تعالى شأنه لا بنفسه بأن يقال: ألم تر ما فعل ربك الخ لتهويل الحادثة والإيذان بوقوعها على كيفية هائلة وهيئة عجيبة دالة على عظم قدرة الله تعالى وكمال علمه وحكمته وغريبته وشرف رسوله صلى الله عليه وسلم فإن ذلك كما قال غير واحد من الإرهاصات لما روي أن القصة وقعت في السنة التي ولد فيها النبي صلى الله عليه وسلم قال إبراهيم بن المنذر شيخ البخاري لا يشك في ذلك أحد من العلماء وعليه الإجماع وكل ما خالفه وهم أي من أنها كانت قبل بعشر سنين أو بخمس عشرة سنة أو بثلاث وعشرين سنة أو بثلاثين سنة أو بأربعين سنة أو بسبعين سنة الأقوال المذكورة في كتب السير وعلى الأول المرجح الذي عليه الجمهور قيل ولادته عليه الصلاة والسلام في اليوم الذي بعث الله تعالى فيه الطير على أصحاب الفيل من ذلك العام وهو المذكور في تاريخ ابن حبان وهو ظاهر قول ابن عباس ولد عليه الصلاة والسلام يوم الفيل وذهب السهيلي أنه صلى الله عليه وسلم ولد بعدها بخمسين يوما وكانت في المحرم والولادة في شهر ربيع الأول وقال الحافظ الدمياطي بخمسة وخمسين يوما وقيل بأربعين وقيل بشهر والمشهور ما ذهب إليه السهيلي وفي قوله تعالى: * (ربك) * نوع رمز إلى الإرهاص وكون ذلك لشرف البيت ودعوة الخليل عليه السلام لا ينافي الإرهاص وكذا لا ينافيه قوله صلى الله عليه وسلم في الحديبية لما بركت ناقته وقال الناس: خلأت أي حزنت ما خلأت ولكن حبسها حابس الفيل إذ لم يدع أن ما كان للإرهاص لا غير ومثل هذه العلل لا يضر تعددها ويؤيد الإرهاص قصة القرامطة وغيرهم وتفصيل القصة أن أبرهة الأشرم بن الصباح الحبشي كما قال ابن إسحاق وغيره وهو الذي يكنى بأبي يكسوم بالسين المهملة ولا يأباه التسمية بأبرهة بناء على أن معناه بالحبشة الأبيض الوجه كما لا يخفى وقيل أنه الحميري خرج على ارباط ملك اليمن من قبل أصحمة النجاشي بكسر النون بعد سنتين من سلطانه فتبارزا وقد أرصد الأشرم خلفه غلامه عتورة فحمل عليه أرباط بحربة فضربه يريد يافوخه فوقعت على جبهته فشرمت حاجبه وأنفه وعينه وشفته ولذا سمي الأشرم فحمل عتورة من خلف أبرهة فقتله وملك مكانه فغضب النجاشي فاسترضاه فرضي فأثبته ثم أنه بنى بصنعاء كنيسة لم ير مثلها في زمانها سماها القليس بقاف مضمومة ولام مفتوحة مشددة كما في ديوان الأدب أو مخففة كما قيل وبعدها ياء مثناة سفلية ثم سين مهملة وكان ينقل إليها الرخام المجزع والحجارة المنقوشة بالذهب على ما يقال من قصر بلقيس زوج سليمان عليه السلام وكتب إلى النجاشي إنني قد بنيت لك أيها الملك كنيسة لم يبن مثلها قبلك ولست بمنته حتى أصرف إليها حجر العرب فلما تحدثت العرب بكتابه ذلك غضب رجل من النساءة أحد بني فقيم بن عدي من كنانة فخرج حتى أتاها فقعد فيها أي أحدث ولطخ قبلتها بحدثه ثم خرج ولحق بأرضه فأخبر أبرهة
(٢٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 228 229 230 231 232 233 234 235 236 237 238 ... » »»