تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٩ - الصفحة ١٥٩
أن الجنة لا خطر بها هي ورب الكعبة نور يتلألأ وريحانة تهتز وقصر مشيد الحديث ثم أنها مع هذا قد يظهر فيها نور أقوى من نورها كما تشهد به الأخبار الصحيحة وفي بعض الآثار عن ابن عباس بينا أهل الجنة في الجنة إذ رأوا ضوأ كضوء الشمس وقد أشرقت الجنان به فيقول أهل الجنة يا رضوان ما هذا وقد قال ربنا لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا فيقول لهم رضوان ليس هذا بشمس ولا قمر ولكن علي وفاطمة رضي الله تعالى عنهما ضحكا فأشرقت الجنان من نور ثغريهما.
* (ودانية عليهم ظل‍الها وذللت قطوفها تذليلا) * * (ودانية عليهم ظلالها) * عطف على الجملة وحالها حالها أو صفة لمحذوف معطوف على جنة فيما سبق أي وجنة أخرى دانية عليهم ظلالها على أنهم وعدوا جنتين كما في قوله تعالى: * (ولمن خاف مقام ربه جنتان) * وقرأ أبو حيوة دانية بالرفع وخرج على أن دانية خبر مقدم لظلالها والجملة في حيز الحال على أن الواو عاطفة أو حالية أو في حيز الصفة على أن الواو عاطفة أيضا أو للإلصاق على ما يراه الزمخشري وقال الأخفش ظلالها مرفوع بدانية على الفاعلية واستدل بذلك على جواز عمل اسم الفاعل من غير اعتماد نحو قائم الزيدون وقد علمت أنه لا يصلح للاستدلال لقيام ذلك الاحتمال على أنه يجوز أن يكون خبر المبتدأ مقدر فيعتمد أي وهي دانية عليهم ظلالها وقرأ أبي ودان كقاض ولا يتم الاستدلال به للأخفش أيضا وإن كان بينه وبين ما تقدم فرق ما وقرأ الأعمش ودانيا عليهم نحو خاشعا أبصارهم والمراد أن ظلال أشجار الجنة قريبة من الأبرار مظلة عليهم زيادة في نعيمهم * (وذللت قطوفها تذليلا) * أي سخرت ثمارها لمتناولها وسهل أخذها من الذل وهو ضد الصعوبة قال قتادة ومجاهد وسفيان إن كان الإنسان قائما تناول الثمر دون كلفة وإن كان قاعدا أو مضطجعا فكذلك فهذا تذليلها لا يرد اليد عنها بعد ولا شوك والجملة حال من ضمير دانية أي تدنو ظلالها عليهم مذللة لهم قطوفها أو معطوفة على ما قبلها وهي فعلية معطوفة على اسمية في قراءة دانية بالرفع ونكتة التخالف أن استدامة الظل مطلوبة هنالك والتجدد في تذليل القطوف على حسب الحاجة.
* (ويطاف عليهم باانية من فضة وأكواب كانت قواريرا) * * (ويطاف عليهم بآنية) * جمع إناء ككساء واكسية وهو ما يوضع فيه الشيء والأواني جمع الجمع * (من فضة وأكواب) * جمع كوب وهو قدح لا عروة له كما قال الراغب وفي " القاموس " كوز لا عروة له أو لا خرطوم له وقيل الكوز العظيم الذي لا أدن له ولا عروة * (كانت) * أي تلك الأكواب * (قواريرا) * جمع قارورة وهي إناء رقيق من الزجاج يوضع فيه الأشربة ونصبه على الحال فإن كان تامة وهو كما تقول خلقت قوارير وقوله تعالى:
* (قواريرا من فضة قدروها تقديرا) * * (قوارير من فضة) * بدل والكلام على التشبيه البليغ فالمراد تكونت جامعة بين صفاء الزجاجة وشفيفها ولين الفضة وبياضها وأخرج عبد الرازق وسعيد بن منصور والبيهقي عن ابن عباس قال لو أخذت فضة من فضة الدنيا فضربتها حتى جعلتها مثل جناح الذباب لم ير الماء من ورائها ولكن قوارير الجنة ببياض الفضة مع صفاء القوارير وأخرج ابن أبي حاتم عنه أنه قال ليس في الجنة شيء إلا قد أعطيتم في الدنيا شبهه إلا قوارير من فضة وقرأ نافع والكسائي وأبو بكر بتنوين قوارير في الموضعين وصلا وإبداله ألفا وقفا وابن كثير يمنع صرف الثاني ويصرف الأول لوقوعه في الفاصلة وآخر الآية وقف عليه بألف مشاكلة لغيره من كلمات الفواصل والتنوين عند الزمخشري في الأول: بدل من ألف الإطلاق كما في قوله: يا صاح ما هاج العيون الذرفن وفي الثاني: للاتباع فتذكر والقراءة بمنع صرفهما لحفص وابن عامر وحمزة وأبي عمرو وقرأ الأعمش الثاني قوارير بالرفع أي هي قوارير * (قدروها تقديرا) * أي قدروا تلك القوارير في أنفسهم فجاءت حسب ما قدروا لا مزيد على ذلك ولا يمكن أن يقع زيادة عليه وفي معناه قول الطائي: ولو صورت نفسك لم تزدها * على ما فيك من كرم الطباع
(١٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 ... » »»